مَالَكَ أَمَامَكَ يَسُرَّكَ اللَّحَاقُ بِهِ وَ انْظُرِ الْعَمَلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَكَ الْمَوْتُ وَ أَنْتَ عَلَيْهِ فَاعْمَلْهُ وَ لَا تَتَشَاغَلْ عَمَّا فُرِضَ عَلَيْكَ بِمَا ضُمِنَ لَكَ وَ اسْعَ لِمُلْكٍ لَا زَوَالَ لَهُ فِي مَنْزِلٍ لَا انْتِقَالَ عَنْهُ.
الباب الرابع عشر في حال المؤمن عند موته
قَالَ النَّبِيُّ ص إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ جَاءَتْ إِلَيْهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَنِ بِجَرِيدَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ لِنَفْسِهِ اخْرُجِي راضِيَةً مَرْضِيَّةً إِلَى رَوْحٍ وَ رَيْحَانٍ وَ رَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَالطِّيبِ مِنَ الْمِسْكِ حَتَّى يَتَنَاوَلَهَا بَعْضٌ مِنْ بَعْضٍ فَيَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى بَابِ السَّمَاءِ فَيَقُولُ سُكَّانُهَا مَا أَطْيَبَ رَائِحَةَ هَذِهِ النَّفْسِ وَ كُلَّمَا صَعِدُوا بِهَا مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ قَالَ أَهْلُهَا مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤْتَى بِهَا إِلَى الْجَنَّةِ مَعَ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ فَتَسْتَرِيحُ مِنْ غَمِّ الدُّنْيَا وَ أَمَّا الْكَافِرُ فَتَأْتِيهِ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَيَقُولُونَ لِنَفْسِهِ اخْرُجِي كَارِهَةً مَكْرُوهَةً إِلَى عَذَابِ اللَّهِ وَ نَكَالِهِ وَ رَبٍّ عَلَيْكَ غَضْبَانَ.
قَالَ النَّبِيُّ ص أَ مَا تَرَوْنَ الْمُحْتَضَرَ يَشْخَصُ بِبَصَرِهِ قَالُوا بَلَى قَالَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ.
وَ قَالَ النَّبِيُ مَا مِنْ بَيْتٍ إِلَّا وَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَأْتِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَإِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ قَدِ انْقَطَعَ أَجَلُهُ وَ نَفِدَ أُكُلُهُ أُلْقِيَ عَلَيْهِ غَمُّ الْمَوْتِ فَغَشِيَتْهُ كُرُبَاتُهُ وَ غَمَرَتْهُ غَمَرَاتُهُ فَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّاشِرَةُ شَعْرَهَا وَ الضَّارِبَةُ وَجْهَهَا وَ الْبَاكِيَةُ شَجْوَهَا وَ الصَّارِخَةُ بِوَيْلِهَا فَيَقُولُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَيْلَكُمْ فَمَا الْجَزَعُ وَ الْفَزَعُ وَ اللَّهِ مَا أَذْهَبْتُ لِوَاحِدٍ مِنْكُمْ رِزْقاً وَ لَا قَرَّبْتُ لَهُ أَجَلًا وَ لَا أَتَيْتُهُ حَتَّى أُمِرْتُ وَ لَا قَبَضْتُ رُوحَهُ حَتَّى اسْتَأْمَرْتُ وَ إِنَّ لِي فِيكُمْ عَوْدَةً ثُمَّ عَوْدَةً حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَرَوْنَ مَكَانَهُ وَ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ لَذَهِلُوا عَنْ مَيِّتِهِمْ وَ لَبَكَوْا عَلَى نُفُوسِهِمْ حَتَّى إِذَا حُمِلَ الْمَيِّتُ فِي نَعْشِهِ رَفْرَفَتْ رُوحُهُ فَوْقَ نَعْشِهِ تُنَادِي يَا أَهْلِي وَ يَا وُلْدِي لَا تَلْعَبَنَّ بِكُمُ الدُّنْيَا كَمَا لَعِبَتْ بِي مَالٌ جَمَعْتُهُ مِنْ حِلِّهِ وَ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ وَ خَلَّفْتُهُ لَكُمْ فَالْمَهْنَأُ لَكُمْ وَ التَّبِعَةُ عَلَيَّ فَاحْذَرُوا مِثْلَ مَا قَدْ نَزَلَ بِي.
و لقد أحسن القائل شعرا
لقد لهوت و حد الموت في طلبي
و إن في الموت لي شغلا عن اللعب
لو شمرت فكرتي فيما خلقت له
ما اشتد حرصي على الدنيا و لا طلبي.