responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى المؤلف : شوفاني، الياس    الجزء : 1  صفحة : 30

و الغنم و الخنازير و البقر. و بصورة ما، اهتدى هذا الإنسان إلى زراعة القمح و الشعير، بعد أن كان يجمعهما من البرّ خلال سنوات طويلة، إذ إن موطنهما الأصلي هو الهلال الخصيب. أمّا تدجين الحيوانات و تربيتها فقد تطورا عن عملية الصيد، لأن الأجناس التي تم تدجينها أولا هي ذات استعداد فطري لذلك. و الأكيد أنها عاشت على شكل قطعان في المناطق التي أنتجت القمح و الشعير البرّيين.

و انتقال إنسان النيوليت من نمط الاقتصاد الاستهلاكي، القائم على صيد الحيوانات و التقاط الحبوب و الثمار البرية، إلى النمط الإنتاجي عبر زراعة بعض أصناف تلك الحبوب، و تدجين أنواع معينة من الحيوانات، من دون أن يهجر الصيد تماما، شكّل منعطفا حادّا في حياته. فقد جعله، أولا، و قبل كل شي‌ء، سيّد لقمة عيشه، و بالتالي قادرا على زيادة الإنتاج، و ربما توفير بعض الفائض، الذي قد يتمّ تبادله، أي الاتّجار به. و لكن الأهم، أنه بهذا الإنتاج، و دورته الموسمية، كان لا بدّ من أن يصبح أكثر استقرارا، و ربما تكاثرا، الأمر الذي يستلزم أن تصبح التجمعات السكانية أكثر تنظيما، مع ما يتطلب ذلك من تطوير المؤسسات لإدارة الحياة الجماعية، ماديا و روحيا.

فتدجين أنواع معينة من النبات و الحيوان، و بالتالي ابتكار الزراعة، كان خطوة عملاقة حققها الإنسان على طريق حضارته الكونية. و قد تسارعت وتيرات تطورها، منذ البداية، و ربما بفعل عدة عوامل، بصورة مذهلة، و حدثت فيها تحوّلات دراماتيكية، أسست لظهور الدول و الحضارات التاريخية، بغناها و تعقيدها.

و نجمت عن هذه التطورات تحوّلات ثورية في عادات الإنسان الحياتية، فتوقف عن التجوال لأسباب ذاتية و موضوعية، و استقر بصورة دائمة راهنا بذلك مصيره بفعله في بيئته، و تفاعله مع محيطه. و نتيجة هذا الاستقرار تحولت قرى الصيادين السابقة إلى قرى مزارعين، و إن في مواقع مختلفة نسبيا، و كان هذا التغيير جذريا إلى درجة أنه سمّي ثورة.

لقد فرض الاستقرار و التفرغ لإنتاج مقومات المعيشة، على إنسان النيوليت إعمال ذهنه في إيجاد الحلول للمشكلات الناجمة عن هذا التحول في نمط الحياة، إذ كان عليه أن يوفر مستلزماته و أدواته، و أن يصوغ قيمه و علاقاته. فبنى البيوت الملائمة، و صنع الأدوات الموافقة لعملية الإنتاج الجديدة، كالمحاريث و المناجل و الجواريش و تشكيلة واسعة من الأواني المنزلية، و خصوصا بعد الاهتداء إلى صناعة الفخار، و كذلك اللباس، عبر الغزل و النسيج، و أدوات الزينة على أنواعها. و هذا ما كشفت عنه التنقيبات في المواقع الأثرية من مخلفات حضارة إنسان النيوليت‌

اسم الکتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى المؤلف : شوفاني، الياس    الجزء : 1  صفحة : 30
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست