اسم الکتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى المؤلف : شوفاني، الياس الجزء : 1 صفحة : 147
تجاوز أثرها حدود الولاية بكثير. و إذ كانت
الإسكندرية هي الرائدة في هذا المجال، فقد اشتهرت بيروت بمدرسة الحقوق، و قيساريا
و غزة بمدارس البلاغة و الشعر. و من قيساريا جاء «أبو تاريخ الكنيسة» (يوسيبيوس
القيصري)، الذي يعتبر المصدر الرئيسي عن حياة قسطنطين و بداية المسيحية.
و شهد العصر البيزنطي تغيّرا ملحوظا بالتركيب السكاني في فلسطين. ففي
مقابل تقلص أعداد اليهود فيها، ازدادت نسبة العرب، إذ إضافة إلى العناصر التي كانت
تعيش فيها، و على أطرافها، منذ القدم- أنباط و أدوميين و أيطوريين، و غيرهم- دخلت
قبائل جديدة من الغسانيين و حلفائهم، و عاشت إلى جانب السكان الأصليين الذين
تمركزوا في المدن أصلا- سوريين (أراميين) و يونان و رومان و أرمن و يهود و غيرهم.
و كان الغسانيون قد انتشروا خلال القرنين- الخامس و السادس
الميلاديين- في سورية و شرق الأردن و فلسطين، و تحالفوا مع البيزنطيين و أقاموا
دولة حدودية قوية، حلت محل خط الحدود الدفاعي الروماني (ليمس). و قد تنصر
الغسانيون، و كانوا يتبعون العقيدة المونوفيزيتية. و بسبب موقعهم و دورهم، كان بنو
غسان بؤرة جذب لقبائل متعددة، دخلت في تحالف معهم، و استقرت في المنطقة.
و ضمن الترتيبات الإدارية- الدفاعية التي أدخلها الإمبراطور
ديوقلتيان (284- 305 م)، تمت إقامة خط حصون دفاعي على حدود الصحراء في جنوب فلسطين
و شرق الأردن. و كانت مهمة القوات العسكرية في هذا الخط، الذي عرف باسم (ليمس)،
ضبط حركة القبائل العربية الرحالة في هذه المناطق. كما عمد ديوقلتيان إلى تقسيم
الولايات إلى وحدات أصغر حجما- ألوية. و قسمت فلسطين (يوديا سابقا) في عهده إلى
لواءين، و بعده إلى ثلاثة. و نحو سنة 400 م، كانت فلسطين مكونة من ثلاثة ألوية،
هي: 1) «فلسطين الأولى»، و تضم الأجزاء الوسطى من البلد- الجبل و الساحل- و مركزها
الإداري قيساريا، و المركز الروحي في إيليا كابيتولينا؛ 2) «فلسطين الثانية»، و
تضم الجليل، و بعض أجزاء شرق الأردن الشمالي (الجلعاد)، و مركزها بيسان؛ 3)
«فلسطين الثالثة»، و تضم جنوب فلسطين و شرق الأردن (مناطق الأدوميين و الأنباط
سابقا) و مركزها البتراء.
و لضبط الإدارة، مدنيا و كنسيا، قسمت الألوية إلى أقضية، في مركز كل
منها مدينة. و يتضح من المصادر المتوفرة أن عدد المدن ازداد في فلسطين منذ القرن
الثالث الميلادي، إذ أصبحت البلاد كلها مقسمة إلى وحدات مدينية تتمتع بحكم ذاتي. و
جنبا إلى جنب مع الإدارة الحكومية كانت تقوم إدارة كنسية، و بتراتبية متوازية مع
أهمية المدينة كمركز، لتطابق الإدارتين منذ أيام قسطنطين و خلفائه. و بطريركية
اسم الکتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى المؤلف : شوفاني، الياس الجزء : 1 صفحة : 147