فأفاق الملك من غمرة سكره. و تاب إليه من لبّه ما كان عازبا، فندم
على ما فرط فيه من أمره.
و خرج فاستدعى الوزير من فوره. و سأله أن يخبره بكلّ ما كان يعتلج[4] في صدره. فوجده مستعدا للجواب عن
كلّ ما يسأل عنه.
متهيئا للإرشاد إلى كلّ ما يراد من سداد الرأي منه. فأطلعه على خفايا
الأسرار. و عرّفه ما صحّ عنده عن عدوّه من الأخبار. و بصّره من السياسة أمورا كان
يسترها عنه غشاوة على ناظر قلبه فإنها لا تعمي الأبصار.
فأطرق خجلا من الوزير. و ندم على ما كان منه لهذه النصائح من
التأخير. ثم رفض اللذات البهيمية[5] و هجرها.
و حرّم الشهوات الخسيسة و حظرها. و أخرج ما عنده من آلة المنكرات التي أنكرها
فحطّمها و كسرها. و رجع إلى اللّه تعالى من جميع ذنوبه تائبا. و لزم باب جوده و
فضله عاكفا على الاستغفار مواظبا. ثم انتصب بنفسه