فلما تأملت هذه الألفاظ العذاب، رأيتها قد أودعت من حكم السياسة ما
قضى لها بالحكمة و فصل الخطاب، و حكم لها بالاشتمال على محاسن السياسات و غرائب
الآداب، إلّا أنها من الجزالة على حدّ تنبو عنه أكثر العقول.
و من الإيجاز في غاية يعزّ على أكثر الأذهان إلى أوائلها الوصول. و
علمت أن الملوك هم الذين يجب أن يكونوا بها أعمّ انتفاعا. و لمحاسن آدابها أكثر
اتباعا. إلّا أنّ خواطرهم بكثرة الأشغال مغمورة. و أوقاتهم بعوارض الأحوال معمورة.
و قلوبهم إلى ما يروّجها من الفكاهات متلفّتة. و نفوسهم إلى ما يبعث نشاطها من كدّ
الأعمال متوثّبة متفلّتة.