فقال: و الرعية عبيد يسترقّهم العدل. فصار
العدل للملك أسّا عليه الاعتماد و سببا قويا في حياة العباد و عمارة البلاد.
فقال: و العدل مألوف به قوام العالم.
[أعوان الملك]
ثم قالت له: أيها الملك! أدام الله سرورك و لا أخلى منك سريرك[1]. إنّ الملك لا تتسع أوقاته لمباشرة
جميع الأحوال بنفسه و لا بدّ له من أعوان يحملون عنه ما تعجز قوته عن حمله. فإن
كلّف نفسه فوق طاقتها بطلت. و إن وقف الأحوال كلّها على نفسه وقفت و تعطلت. و هو
يفتقر في إقامة الشريعة إلى قاض[2] عالم
بأسرارها.
مطّلع على غوامضها و أغوارها بصير بالحكمة في موضوعها. متقن للعلم
بأصولها و فروعها. خبير ذي دربة بتنفيذ الأحكام. عارف بسياسة أخلاق الخواص و
العوام. بعيد من الهوى. لا يطمع القوي في ختله[3].
و لا ييئس الضعيف من إنصافه و عدله. ورع لا تعلق به الدنايا و المآثم. ذي هيبة
يكتفي بها المظلوم في انتصافه من الظالم.
[2]القاضي:
كان القضاء من الوظائف الرئيسة في الدولة. و كان فقدان النظام القضائي، و اقتصاره
على الحكام عند عرب الجاهلية، من أبرز نقاط الضعف في الجاهلية، و قد اهتم الرسول
بمعالجتها منذ أن هاجر إلى المدينة. و تابع الخلفاء الراشدون و الأمويون العناية
بأمر القضاء، و أولى الخلفاء العباسيون القضاء اهتماما خاصا، فأوجدوا منصب"
قاضي القضاة" ببغداد، و كانوا هم الذين يعيّنون القضاة. انظر كتاب أخبار القضاة
لوكيع( ت 330 ه)، ط. عالم الكتب- بيروت( طبعة مصوّرة).