والفهم هو تصوّر
الشيء من لفظ المخاطب، والإفهام هو ايصال المعنى باللفظ إلى فهم السامع، والفقه
هو العلم بغرض المتكلّم من كلامه، وهذا بعد فهم المعنى من اللفظ قطّ، وبعبارةٍ
أخرى: المعنى غير المقصود؛ لأنّ الفهم تصوّر المعنى للفظ، والفقه إدراك المقصود من
معنى اللفظ، فالفقه الإدراك لغرض المعنى وغايتها للشيء، وذلك متأخّر عن الأوّل
طبعاً، كما أنّ الثاني؛ أي: إدراك المقصود أفضل وأشرف وأدقّ من إدراك المفهوم
والمعنى للشيء؛ فَعَلى هذا، ما في المعالم وغيره من أنّ الفقه في اللغة الفهم ليس
بجيّدٍ، ولا يكون الفقه في اللغة بمعنى الفهم مطابقةً، بل الفقه فوق الفهم للمعنى
وإن كان الفهم لمعنى الشيء أيضاً موجوداً في معنى الفقه؛ لأنّ فهم المقصود يكون
قهراً بعد فهم المنطوق؛ لا بالعكس؛ فلا يكون الفقه بمعنى الفهم فقط، بل هو فهم
المعنى والمقصود من الكلام معاً؛ فيكون الفقيه فهيماً للمعنى والمقصود من ظواهر
الشريعة الموجودة في الأحكام الشرعيّة.
فعلى هذا،
لا يكون شأن الفقيه فهم المعنى من الظاهر فقط، بل شأنه إدراك المقصود وبيانه بقدر
البضاعة اللازمة والطاقة البشريّة مع شدّة الاهتمام للفحص والدقّة؛ مضافاً إلى أنّ
ذلك لا ينحصر بالأحكام التكليفيّة والوضعيّة فقط، بل هو أعمّ بالنسبة إلى جميع ما
في الشرع من الأصول والفروع والأخلاق، فهو يرتبط بالموجود وما ليس بموجود في الكتب
الفقهيّة وبالصحيح والفاسد والحَسَن والقبيح من الأفعال والأعمال، كما كان ذلك دأب
القدماء في سالف الزمان، ويشعر بذلك ترتيب المباحث في كتبهم بإتيان عناوين المباحث
الرئيسية للدين ابتداءً وعنوان الفروع الفقهيّة بعدها، وأيضاً يعنونون في كتبهم
المباحث الاعتقاديّة أكثر من المباحث الفقهيّة، كما في الكتب الفقهيّة للقدماء
أيضاً يكون كذلك؛ أي: كثيراً مّا يوردون المباحث الكلاميّة في خلال المباحث.
فبناءً على
هذا، الفقه يطلق على كلّ معالم الدين وقضايا الشريعة من المعارف