و
رجل سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول قولا، أو رآه يفعل فعلا[2]،
ثمّ غاب عنه، و نسخ ذلك القول و الفعل و لم يعلم، فلو علم أنّه نسخ ما حدّث به[3]،
و لو علم النّاس أيضا أنّه نسخ لما نقلوا عنه.
و
رجل سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول قولا فوهم فيه، فلو علم أنّه وهم
فيه لما حدّث عنه[4] و لا عمل
به.
و رجل
سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يكذب و لم يغب، حدّث بما سمع و عمل به[5].
فأمّا
الأوّل، فلا اعتبار بروايته، و لا يحلّ الأخذ عنه، و أمّا الباقون، فينزعون إلى
غاية، و يرجعون إلى نهاية، و يستقون من قليب واحد، و كلامهم أشرق بنور النّبوّة
ضياؤه، و من الشّجرة المباركة اقتبست ناره»[6].
[1] - خ: عصمه اللّه تعالى، و في نهج البلاغة: و إنّما
النّاس مع الملوك و الدّنيا، إلّا من عصم اللّه ...
[5] - و في نهج البلاغة:« و آخر رابع لم يكذب على اللّه
و لا على رسوله، مبغض للكذب خوفا من اللّه و تعظيما لرسول اللّه صلى اللّه عليه و
سلم، و لم يهم، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على ما سمعه، لم يزد فيه و لم
ينقص، فحفظ النّاسخ فعمل به، و حفظ المنسوخ فجنب عنه، و عرف الخاصّ و العام، فوضع
كلّ شيء موضعه، و عرف المتشابه و محكمه».
[6] - قال الشّيخ محمّد باقر المحمودي في ذيل هذا
الحديث في المختار 331 من باب الخطب من كتابه: نهج السّعادة في مستدرك نهج البلاغة
2/ 612: و هذا السّياق[ أي قوله: فأمّا الأول ...] مختصّ برواية صاحب التّذكرة و
مغاير لما في الطّرق الأخر، و قد و هم الراوي- أو الكاتب- و لم يتحفّظ على كلام
أمير المؤمنين قطعا، و ذلك لأنّ السؤال وقع عمّن يصحّ الأخذ منه من الرّواة و من
لا يصحّ، فكيف يجاب عن هذا السؤال بأنّ الكاذب على رسول اللّه لا يجوز الأخذ منه،
و أمّا من حفظ عن رسول اللّه الحديث المتضمّن للحكم المنسوخ- مع عدم علم الراوي
بنسخه- و كذا من حفظ عن رسول اللّه حديثا فوهم فيه و تخيّل أنّ المأمور به منهيّ
عنه أو عكسه، أو زاد في الحديث ما ليس منه أو نقص منه، و كذا من تحفّظ على الحكم
كمّا و كيفا، يصحّ الأخذ منهم، لأنّ-- كلامهم يستقي من قليب واحد، و ضياؤه من نور
النبوّة؟!
سبحان اللّه! كيف يمكن أن يقول
عاقل: بأنّ من و هم في الحكم مثل من ضبطه كلامهما من قليب واحد!!
و كيف يمكن أن يقال: بأنّ الحكم
المنسوخ- الذي نفد ضياؤه بانتهاء مدّته- مثل الحكم الثّابت الذي له ضياء دائم و
شعشعة أبديّة؟ يجوز الأخذ بهما لأنّ ضياءهما من نور النبوّة!! ...
و الظاهر أنّ البلاء من الشّعبي،
أراد أن يروّج بضاعة من تصدّى للرّواية في قبال باب مدينة علم رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و اله و سلم.
اسم الکتاب : تذكرة الخواص من الأمة بذكر خصائص الأئمة المؤلف : سبط ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 548