اسم الکتاب : تذكرة الخواص من الأمة بذكر خصائص الأئمة المؤلف : سبط ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 22
و قاصدين، و
ربي طول زمانه في جاه عريض عند الملوك و العوام نحو خمسين سنة.
و
كان مجلس وعظه مطربا، و صوته فيما يورده فيه حسنا طيّبا، رحمه اللّه و رضي عنه[1].
و
منها مجالس وعظه التي حضرها أبو شامة في صغره و كبره، و وصفها غير مرّة بإسهاب؛
فقد قال في حوادث سنة 600 ه: و أوّل هذه السّنة سافر الشّيخ شمس الدّين أبو
المظفّر سبط ابن الجوزي الواعظ رحمه اللّه من بغداد إلى الشّام ...
كانت
مجالس وعظه من محاسن الدّنيا و لذّاتها، فكأنّ اللّه قد جمع له حسن الصّورة، و طيب
الصّوت، و ظرافة الشّمائل في الإيراد و الجوابات و اللّباس و سائر الحركات، فكان
يزدحم في مجلسه ما لا يحصى من الخلق رجالا و نساء، و النّساء بمعزل عن الرّجال في
جامع دمشق و جامع الجبل، حضرت مجالسه في صغري و كبري في الموضعين مرارا.
و
كان لا يفارق أحد مجلسه إذا انفضّ إلّا و شوقه مستمرّ إلى عودته في الأسبوع الآخر،
فإنّه كان يجلس كلّ سبت، و تبسط السجّادات و الحصر و البسط في كلّ المواضع القريبة
من المنبر، ما بينه و بين القبّة في يوم الجمعة.
و
يبيت النّاس ليلة كلّ سبت حلقا يقرأون القرآن بالشّموع، كلّ ذلك فرحا بالمجلس،
مسابقة إلى الأماكن، و عادة الدّمشقيّين التّفرّج في أيّام السّبت، و يبطلون عن
أشغالهم بالمدينة، و ينقطعون في بساتينهم، و كانوا لا يفوتون حضور المجلس، ثمّ
ينصرفون منه إلى فرحهم، فلا ينقضي يومهم إلّا بالتّذاكر، لما وقع فيه من المحاسن،
و إنشاد الأشعار، و التّحدّث بمن أسلم فيه أو تاب، و إيراد ما كان فيه من سئوال و
جواب، و لم يزل على ذلك مدّة سنين، ثمّ اقتصر على المجلس في الأشهر