اسم الکتاب : المسائل و الرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة المؤلف : أحمد بن حنبل الجزء : 1 صفحة : 285
و إن كان
الأمر فى غاية الوضوح و للّه الحمد. فالمعرفة بأن اللّه عز و جل عالم بكل شيء بما
كان و ما سيكون أمر فطرى. و لا ينكر هذا إلا زنديق حتى القدرية الأولى الذين جحدوا
أن اللّه يعلم الأشياء قبل وقوعها سرعان ما اندثر قولهم إما لرجوعهم عنه لبطلانه و
وقاحته أو لأجل وقوف الأمة على مختلف نزعاتها فى طريقهم و الإنكار عليهم[1].
يقول
شارح الطحاوية: و الدليل العقلى على علمه تعالى أنه يستحيل إيجاد الأشياء مع
الجهل، و لأن إيجاده الأشياء بإرادته. و الإرادة تستلزم تصور المراد، و تصور
المراد: هو العلم بالمراد، فكان الإيجاد مستلزما للإرادة و الإرادة مستلزمة للعلم،
فالإيجاد مستلزم للعلم و لأن المخلوقات فيها من الإحكام و الإتقان ما يستلزم علم
الفاعل لها، لأن الفعل المحكم المتقن يمتنع صدوره عن غير علم، و لأن من المخلوقات
ما هو عالم و العلم صفة كمال و يمتنع أن لا يكون الخالق عالما. و هذا له طريقان:
أحدهما أن يقال: نحن نعلم بالضرورة أن الخالق أكمل من المخلوق، و أن الواجب أكمل
من الممكن و نعلم ضرورة أنا لو فرضنا شيئين، أحدهما عالم و الآخر غير عالم- كان
العالم أكمل، فلو لم يكن الخالق عالما لزم أن يكون الممكن أكمل منه و هو ممتنع.
و
الثانى: أن يقال: كل علم فى الممكنات التى هى المخلوقات- فهو منه و من الممتنع أن
يكون فاعل الكمال و مبدعه عاريا منه بل هو أحق به. و اللّه تعالى له المثل الأعلى،
و لا يستوى هو و المخلوقات، لا فى قياس تمثيلى و لا فى قياس شمولى، بل كل ما ثبت
للمخلوق من كمال فالخالق به أحق، و كل نقص تنزه عنه مخلوق فتنزيه الخالق عنه أولى[2].
اه.
أعود
و أقول أن هذه الصفة لا ينكرها إلا زنديق. و السلف و من تبعهم من الكلابية و
الأشاعرة فى هذه المسألة يقولون: أن اللّه عز و جل عالم بعلم هو صفة له كما تقدم
عند تقرير مذهب السلف.