اسم الکتاب : المسائل و الرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة المؤلف : أحمد بن حنبل الجزء : 1 صفحة : 151
الثانى: و
هو الادعاء بأن العبد هو الموجد لفعله من غير أن يكون للّه تقدير و مشيئة، و هو
الّذي عليه جمهور القدرية. و الإمام أحمد رد على الاتجاهين و بين خطأهما و
ابتعادهما عن الحق و الصواب.
و
أصحاب الاتجاه الثاني هذا ينكرون عموم المشيئة و الخلق و يقولون إن الخير من اللّه
و الشر من الشيطان و إن العبد يملك الاستطاعة التامة على الفعل و عدمه و ينكرون أن
يكون للّه جلا و علا مشيئة و إرادة فيما يفعله العباد.
يقول
شارح الطحاوية فى معرض كلامه عن المعتزلة و أصولهم الخمسة: «فأما العدل فستروا تحته
نفى القدر و قالوا: إن اللّه لا يخلق الشر و لا يقضى به، إذ لو خلقه ثم يعذبهم
عليه يكون ذلك جورا و اللّه تعالى عادل لا يجور[1]
و يلزم على هذا الأصل الفاسد أن اللّه تعالى يكون فى ملكه ما لا يريده فيريد
الشيء و لا يكون، و لازمه وصفه بالعجز!! تعالى اللّه عن ذلك[2]».
اه.
قلت:
و هذا خلاف مذهب أهل السنة و الجماعة الذين يرون أن أفعال العباد كلها من طاعات و
معاص مخلوقة للّه عز و جل مقدرة على العباد مقضية عليهم قبل وقوعها منهم[3].
و هذا لا يعنى أن العبد مسلوب المشيئة و الإرادة، كما يدعى الجبرية- لكن أهل السنة
يرون أن العبد فاعل حقيقة و له مشيئة و قدرة غير خارجة عن مشيئة اللّه و تقديره بل
هى تابعة لمشيئة الرب جل و علا، يقول ابن تيمية: «و مما ينبغى أن يعلم أن مذهب سلف
الأمة- مع قولهم: اللّه خالق كل شيء و ربه و مليكه و أنه ما شاء كان و ما لم يشاء
لم يكن- أن العبد فاعل حقيقة و له مشيئة و قدرة قال تعالى: لِمَنْ
شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ
الْعالَمِينَ[4] و
قال تعالى: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ
[1] - يقول الشارح أيضا فى موضع آخر:« و تفصيل حكمة
اللّه عز و جل فى خلقه و أمره، يعجز عن معرفته عقول البشر، و القدرية دخلوا فى التعليل
على طريقة فاسدة مثلوا اللّه فيها بخلقه، و لم يثبتوا حكمة تعود إليه». شرح
الطحاوية ص 119.