فلو لم ينزل
الإنسان إلى الأرض لا يشعر بالحاجة؛ إذ كان يعيش في الجنة يأكل و يشرب بدون تعب أو
عناء، فطبيعة هذه الجنة: إِنَّ
لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى* وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا
تَضْحى[1].
و
لو لم تصدر من آدم المعصية فلا يمكن أن يحصل على تلك الدرجات العالية من الرحمة و
المغفرة التي حصل عليها الإنسان في حالات الرجوع و التوبة؛ إذ يفترض العلّامة الطباطبائي
وجود درجات من الرحمة و المغفرة مرهونة بالتوبة و الانابة، قال:
«فللّه-
تعالى- صفات من عفو و مغفرة و توبة و ستر و فضل و رأفة و رحمة لا ينالها إلا
المذنبون ... فهذه التوبة هي التي استدعت تشريع الطريق الذي يتوقع سلوكه، و تنظيف
المنزل الذي يرجى سكونه، فوراءها تشريع الدين و تقويم الملة»[2].
فالقصّة
وراءها قضاءان قضاهما اللّه تعالى في آدم:
القضاء
الأوّل: الهبوط و الخروج من الجنة و الاستقرار على الأرض و حياة الشقاء فيها، و
هذا القضاء لازم حتمي لأكل الشجرة حيث بدت سوآتهما، و ظهور السوءة لا يناسب حياة
الجنة، بل الحياة الأرضية، و من هنا كان إخراجهما من الجنة بعد العفو عنهما، و لو
لا ذلك لكان مقتضى العفو هو بقاؤهما في الجنة.
القضاء
الثاني: إكرام آدم بالتوبة؛ إذ طيّب اللّه- تعالى- بها الحياة الأرضية التي هي
شقاء و عناء، و بها ترتبت الهداية إلى العبودية الحقيقية، فتآلفت الحياة من