و ينطلق
أصحاب هذا المذهب في تفكيرهم إلى أنّ اللّه- سبحانه- كان قد علّم آدم جميع اللغات
الرئيسة، و قد كان ولده على هذه المعرفة، ثمّ تشعبت بعد ذلك، و اختص كلّ جماعة
منهم بلغة غير لغة الجماعة الاخرى.
الثاني:
أنّ المراد من الأسماء: المسميات، أو صفاتها و خصائصها، لا الألفاظ، و حينئذ فنحن
بحاجة إلى القرينة القرآنية أو العقلية التي تصرف اللفظ إلى هذا المعنى الذي قد
يبدو أنّه يخالف ظاهر الإطلاق القرآني لكلمة (الأسماء) الدالة على الألفاظ. و يمكن
أن نتصوّر هذه القرينة في الامور التالية:
أ-
كلمة (علم) التي تدلّ على أنّ اللّه- سبحانه- منح آدم (العلم) و بما «أنّ العلم
الحقيقي إنّما هو إدراك المعلومات أنفسها، و الألفاظ الدالة عليها تختلف باختلاف
اللغات التي تجري بالمواضعة و الاصطلاح، فهي تتغير و تختلف، و المعنى لا تغيير فيه
و لا اختلاف»[1]. فلا بدّ
أن يكون هو المسميات التي هي المعلومات الحقيقية.
ب-
قضية التحدي المطروحة في الآيات الكريمة؛ ذلك أنّ الأسماء حين يقصد منها الألفاظ و
اللغات فهي إذن من الأشياء التي لا يمكن تحصيلها إلّا بالتعليم و الاكتساب، فلا
يحسن تحدي الملائكة بها؛ إذ لا دلالة في تعليمها آدم على وجود موهبة خاصة فيه
يتمكن بها من معرفة الأسماء، و هذا على خلاف ما اذا قلنا: إنّ المقصود منها
المسميات، فإنّها ممّا يمكن إدراكه- و لو جزئيا- عن طريق إعمال العقل الذي يعدّ
موهبة خاصة، فيكون لمعرفة آدم بها دلالة على موهبة خاصة منحه اللّه إياها.