شاء، لا ضدّ
له فيمانعه، ولا شريك معه فيحكم عليه أو يزاحمه.
ولكنّا
نقول: إنّ الأفعال بأسرها كالأقوال بالنسبة إلى عقولنا الثابتة المحقّقة المخلوقة
لهذه الوظيفة، فمنها محكمٌ بقسميه نصّ وظاهر، ومنها متشابه بقسميه مجمل ومأوّل.
فالمحكم:
ما ظهرت وجه المصلحة والحسن فيه على القطع أو الرجحان لعامّة العقول المتدبّرة
المتدرّبة، لا يختصّ به عقل دون عقل ورجل دون آخر، كحسن الإحسان وقبح الظلم
والتكليف بالمحال مثلًا.
والمتشابه-
سواء تزاحمت فيه الاحتمالات أو انسدّ بابها كلّية- فهو: الذي لا يعلم تأويله ووجه
الحسن والمصلحة فيه إلّااللَّه والراسخون في العلم، وأمّا عامّة العقول فتقف دونه
وتعتقد فيه الحسن على الجملة لا التفصيل تنزيهاً لفاعله عن الجهل أو العبث؛ لما
تعتقده من علمه وحكمته وكمال قدرته.
ومع
ذلك فالعقول حاكمة جازمة بأنّه (تعالى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً) لو أراد
أن يفعل القبيح- بأن يكلّف بالمحال ويدخل العاصي الجنّة والمطيع النار- لم يكن له
دافع ولا مانع؛ إذ له القدرة والتصرّف وحده ولا ربّ ولا مالك سواه، ولكن كرماً منه
ولطفاً وغناءً محضاً وجوداً صرفاً وتعظيماً لشأنه وتقديساً لذاته، لا يفعل ذلك
بإرادة منه واختيار، لا بتقييد مقيّد له أو حكم حاكم عليه.
فأيّ
منافاة في ذلك لما ذكروه من أنّه لا يسئل عمّا يفعل، ومن أنّه يتصرّف في ملكه كيف
شاء؟!
وكم
من الفرق بين من لا يفعل الشيء لطفاً وكرماً، وبين من لا يفعله قصوراً وعجزاً!