سابعاً: إنّما تُحتمل هذه التهمة فيما إذا كان الشيعة إيرانيين فقط، أو كانت الفرقة الأُولى من الشيعة فارسية على الأقل، أو كان جميع الذين أسلموا من الفرس أو أكثرهم- على الأقل اختاروا مذهب التشيّع من أوّل الأمر .. بينما نرى أنّ لا سابقة للفرس في التشيّع (سوى سلمان الفارسي) وإنّ أكثر الذين أسلموا من الفرس ما اختاروا مذهب التشيّع من أوّل الأمر، بل نرى أنّ أكثر علماء المسلمين الإيرانيين في التفسير والحديث والكلام والأدب من السنة لا الشيعة، بل لقد كان بعضهم من المتعصبين ضد التشيّع بشدة، وإنّ هذا الأمر استّمر بهم الى ما قبل (الصفوية) فإنّ أكثر بلدان إيران الى عهدهم كانوا سنّة لا شيعة[1] وكان الفرس- كسائر المسلمين- يسبّون أمير المؤمنين عليّاً (ع) على منابرهم ومنائرهم بتأثير من دعايات الأُموييّن، حتى قيل إنّ بعض مدن إيران قاومت منع عمر بن عبدالعزيز من ذلك فأصرّت على سبّه (ع)[2].

وإنّ أكابر علماء السنة الى ما قبل عهد الصفوية كانوا من الفرس، من المفسرين و الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين والأُدباء واللغويين والفلاسفة وغيرهم (كما سيأتي تفصيله).

فإنّ أبا حنيفة- الإمام الاعظم- كان فارسياً، والبخاري صاحب الصحيح أكبر محدثى السنة فارسي، وسيبويه إمام النحويين فارسي، والجوهري صاحب كتاب الصحاح في اللّغة فارسي، والفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط في اللّغة فارسي، والزمخشري أكبر وأقدم المفسرين فارسي، وأبو عبيدة وواصل بن عطاء من‌

[1] الدكتور كامل مصطفى الشبيبي: الفكر الشيعي: 415. والدكتور النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 540: 2. والدكتور محمّد العزاوي: فرقة النزارية: 197. والدكتور على الوردي: لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث 59: 1-( المعرِّب).

[2] وهذا ما يحدّثنا به أبو بكر الخوارزمي في بعض رسائله التي بعث بها الى جماعة من الشيعة بنيسابور، يعدّد فيها ما جرى من المحن والمظالم على آل البيت( عليهم السلام) ويقول:« ونسأل الله أن لايحشرنا على نصب إصفهاني! ولا على بغض لأهل البيت طوسي أو شاشي»- كما في‌كتاب: حاضر العالم الإسلامي‌عن رسائل الخوارزمي 191: 1-( المعرِّب).