برهان النظم على قياس و لا تشبيه، بل إنّما يبتني على ملاحظة العقل و
تأمّله في ما يشاهده الانسان بالوجدان من النظم و التناسق و الارتباط
و الانسجام بين أجزاء العالَم و الموجودات، و على ما يجده الانسان و
يراه، من الحوادث و الكائنات المبتنية على الانتظام و الانضباط الدقيق.
فيحكم العقل- مع قطع النظر عن أيّة تجربة و مشابهة و مماثلة و
مقايسة بشيءٍ- أنّ موجِد هذا النظم الدقيق و التناسق البديع يجب أنْ
يكون موجوداً قادراً، عاقلًا حكيماً، شاعراً بهذا النظم، قاصداً له.
هذا، ولكن لا يخفى أنّ هذا البرهان لا يفيد أكثر من وجود صانع عاقل
مدبِّر حكيم. و أما كونه الواجب بالذات، فلا يثبت به. بل يبتني على
البراهين المزبورة. و في الحقيقة ينبغي أن يُعدّ هذا الدليل من براهين
توحيد الباري تعالى.
ثم إنّ البراهين التي أقاموها لاثبات وجود الصانع كثيرة. و نحن
اقتصرنا على بيان أهمّها بالايجاز و الاختصار؛ لما بنينا في هذه الرسالة
على عدم الاطناب في الوجوه العقلية. و هذه الأدلة تنقسم إلى برهان اللّم
؛ و هو الاستدلال بوجود العلة على المعلول، و إلى برهان إلانّ؛ و هو
الاستدلال بوجود المعلول على العلّة، و برهان النظم من قبيل الثاني.