و ثالثا-
انّا اذا سلّمنا عدم وجوب الاحتياط التام- لأنّه يؤدّي الى العسر و الحرج- فهذا
انما يقتضي رفع اليد عن المرتبة العليا من الاحتياط بالقدر الذي يندفع به العسر و
الحرج، مع الالتزام بوجوب سائر مراتبه، لان الضرورات تقدّر بقدرها، فيكون الأخذ
بالمظنونات حينئذ باعتباره مرتبة من مراتب الاحتياط الواجبة، و أين هذا من حجية
الظن؟ اللهم إلّا أن يدّعى قيام الاجماع على ان الشارع لا يرضى بابتناء التعامل مع
الشريعة على أساس الاحتياط، فاذا ضمّت هذه الدعوى أمكن ان نستكشف حينئذ انّه جعل
الحجية للظن.
و
قد تلخّص من استعراض أدلّة الحجية انّ الاستدلال بآية النبأ تام، و كذلك بالسنة
الثابتة بطريق قطعي، كسيرة المتشرعة و السيرة العقلائية.
المرحلة
الثانية في تحديد دائرة حجّية الاخبار
و
نأتي الآن الى المرحلة الثانية في تحديد دائرة هذه الحجّية و شروطها، و التحقيق في
ذلك انّ مدرك حجّية الخبر إن كان مختصا بآية النبأ فهو لا يثبت سوى حجّية خبر
العادل خاصة، و لا يشمل خبر الثقة غير العادل.
و
أمّا اذا لم يكن المدرك مختصا بذلك، و فرض الاستدلال بالسيرة و الروايات أيضا- على
ما تقدم- فلا شك في وفاء السيرة و الروايات باثبات الحجّية لخبر الثقة، و لو لم
يكن عادلا.
و
من هنا قد توقع المعارضة بالعموم من وجه بين ما دلّ على حجّية