responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مقالات إسلامية المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ عباس    الجزء : 1  صفحة : 5

إن إباء الأمم والشعوب الرسالية الواعية، ورفضها لخطط العولمة الاستكبارية بما تملك من ثقافة أصيلة وثروات اقتصادية كبيرة وقدرة على اتخاذ القرار السياسي المستقل لا يعني بالضرورة انعزالها عن العالم، بل إنها عندما ترسم نهجها الاقتصادي مثلا يجب أن تراقب حركتها الاقتصادية في مستوى وطبيعة علاقته بالاقتصاد العالمي، وأن تضع لنفسها خطوطا حمراء لا تتجاوزها فتسقط أمام القدرات الاقتصادية الاستكبارية، وكما يصدق هذا في المجال الاقتصادي يصدق أيضا في المجالين الثقافي والسياسي.

وإذا عرفت أن خير أمة أخرجت للناس من بين الأمم وأعظمها أصالة فكرية وسياسية هي الأمة الإسلامية [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‌][1]، فسنجدها المصداق البارز بل المنفرد للأمة الممتنعة عن الاستكبار وجولاته المتوالية، فبأفضليتها الرسالية وأصالتها الفكرية والسياسية وما تملكه من مواقع جغرافية وثروات اقتصادية كبرى ستحقق الامتناع الذاتي والصمود أمام أية جولة استكبارية مهما كانت مقتدرة ومتطورة. بل إن الشمولية والواقعية والتكامل الفريد الذي تتمتاز به أطروحتها الإسلامية للحياة ستظهرها عل كل الأطروحات الوضعية المتداولة في عالم اليوم لتناغمها مع طموحات البشرية وآمالها في إزهاق الباطل وإزالة الفساد والظلم وإحقاق الحق وإقامة العدل في الأرض [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ‌][2]، وقوله تعالى: [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا][3] وقوله تعالى: [وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ‌][4].

إن العولمة الحضارية بوجهها الإنساني النزيه وبعدها الحضاري المتوازن لن تجد أرضية ومناخا صالحين إلا في ظل الأطروحة الإلهية المتمثلة بالإسلام خاتم الرسالات السماوية وكمالها المنشود، وهو القائم على أساس المنطق العقلي والفطرة السليمة والنهج الواقعي المنزه عن جميع صور الاستكبار والظلم والفساد [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‌][5].

إن أطروحة أسلمة العالم هي التي ستؤول إليها البشرية من خلال مخاضاتها المتوالية، وحركتها الواصبة نحو الحق والعدل والسعادة، فيصدق قوله تعالى: [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ‌][6]، وقوله تعالى: [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ‌][7].


[1] سورة آل عمران/ 11

[2] سورة التوبة/ 33

[3] سورة الفتح/ 28

[4] سورة الأنفال/ 8، 7

[5] سورة الروم/ 30

[6] سورة الأنبياء/ 105

[7] سورة القصص/ 5.

اسم الکتاب : مقالات إسلامية المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ عباس    الجزء : 1  صفحة : 5
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست