responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 28

كلمة يوم الغدير في مسجد الخضرة

بسم الله الرحمن الرحيم‌

أيها الجمع الكريم:

حياكم اللطف الإلهي بأبهى تحية تمتزج بقدسية من اجتمعنا لأجله في هذا الوقت الشريف في هذه البقعة المباركة من جانب الطور الأيمن.

يمر علينا هذا العيد المبارك، عيد جلجل فيه صوت الحق في سماء العالم الإسلامي بعد أن أدت ركائب الحجيج واجبها الديني، فهتف بولاية مولانا أسد الله الغالب أمير المؤمنين، وأكمل بها الوحي الإلهي دين الله القويم، فكان أعظم الأعياد يمنا ونوالا في سائر أنحاءه ونواحيه وأعلاها شرفا ومقاما في أيامه ولياليه وأكثرها بهجة وسرورا للمتمسكين بالثقلين، وأوفرها غبطة وحبورا لمن والى أبا الحسنين.

قد أقبلت به الدنيا بجوامع الخيرات، وبشرت بيناته ببلوغ المقاصد والغايات، واستقبل العالم الإسلامي به عهدا جديدا لو دانوا له لتوالت النعم الوافرة عليهم، ولفّرَّ الشر بسطوته وسلطانه من بين أيديهم، ولسطعت- والله- بنورها الوهاج شموس السعادة وللبست الأمة الإسلامية تيجان الفخر والسيادة فيكون لكلمتهم القدح المعلى مادام الدهر، ويقبضون على دفتي الحكم بيد من حديد مامرّ الزمن.

إنا لله وإنا إليه راجعون آه آه لكنها فتنة خرساء بلبلت الأفكار في مستقرها، وأذهلت العقول عن رشدها ومرشدها، وضيعت عليها العهد الذي عهده رسول الله (ص) في مثل هذا اليوم العظيم في الوقت المبارك الكريم حتى أصبحت الأمة تخبط في عشواء، وتعيش في طخية عمياء يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها المؤمن حتى يلقى ربه، قد قذفت من جراء ذلك معضلات الحوادث هذه الأمة على شفا جرف هار، وعصفت في أجوائها سكائك مختلفات الأهواء، وزعزعت أركانها عواصف العواطف في سائر الأرجاء، وجرت في أنحائها متلاطمات أمواج الفتن وقواصف المحن والإحن، كل ذلك إنما كان وقد صار من حرمان أسد الله الغالب عن عرينه واغتصاب الحق عن أهله وقرينه حتى انتهت بنا الأحوال إلى هذه الأدوار، فصرنا بين ذلك الماضي المؤلم المؤسف والمستقبل المحزن المظلم فننظر إلى أمسنا بعين الأسى والأسف ونلتفت إلى مستقبلنا بعين الخوف والجزع.

ولما شربناها ودبّ دبيبها

إلى موضع الأسرار قلت لها قفي‌

اللهم يا الله يا الله إليك المشتكى وعليك المعول في الشدة والرخاء وإليك الملجأ في المبدأ والمنتهى، نعوذ بك يا ربنا من الفتن العمياء والحوادث الخرساء ومبرحات الشدائد ومعضلات المكائد بحق من اجتمعنا لأجله مولانا أمير المؤمنين (ع).

خطبة بعد صلاة عيد الأضحى المبارك‌

بسم الله الرحمن الرحيم‌

أيتها الأمة المسلمة: حييتم بأبهى تحية تمتزج باللطف الإلهي والعناية الربانية، وإذا حييتكم فإنما أحيي قلوبا يقظة وعواطف نبيلة ونفوسا طاهرة تجشمت العناء والتعب في سبيل إعلاء كلمة الله والدعوة لدينه.

إن تركيز الدين ضروري للمجموعة الإنسانية على حد ضرورة نشر المعارف فيها، بل يزيد عليها بمراتب كثيرة بل أكثر لما في انتشار وتفشي الإلحادية من خسارة الفرد والعائلة والمجتمع، أما خسارة الفرد فلشعوره بأن حياته وما يحيطها أمر محدود يفنى بفناء الدهر، وينقضي بانقضاء الزمن. وهذا ما يجعله في حزن وكمد عند التفاته لذلك، وفي أسف وتألم عند إدراكه محدودية حياته، بل تصبح نفسه ضعيفة أمام محن الأيام وطوارق الزمان، فلا يتحمل أبسط الحوادث المؤلمة وأقل الوقائع المزعجة. بخلاف المؤمن بربه المتمسك بدينه، فإنه تضعف نظره الحوادث بمقدار قوة إيمانه وشدة عقيدته، وإني وجدت الكثير ممن آمن بالله لو فقد عزيزه كان كمن سافر عزيزه عنه ويلتقي به بعد حين، وإذا حل به البلاء آنس نفسه بما يناله في الآخرة من الجزاء، وهوَّن عليها الخطب يوم الحساب يوم الأجر والثواب.

وأما خسارة العائلة فهو لا يأمن على عرضه ولا على نفسه ولا على ماله من أهل بيته عند فقدهم العقيدة الدينية فإن سلطان الشهوة لا يقهره شي‌ء، لا شرف النفس ولا حسن التربية، إذا وجد الخير وخلى له الوقت إلَّا تمركز العقيدة بالله، والحوادث التاريخية أول دليل على ذلك فقد شهد الكثير منها أن البيت الذي يفقد الوعي الديني تتحكم اللذات الحيوانية بمقدراته، وتكون المادة هي المقياس في حياته. وإذ ذاك تنعدم الثقة حتى في أهم أركانه، فلا أمان لصاحبه بزوجته ولا لزوجته الأمان منه، ولا ثقة له بذويه، ولا ثقة لذويه به، كما لا يطمئن على حياته فيما لو اقتضت الميول البيتية القضاء عليها ولا يأخذه القرار على ماله، ولا على ما في يده فيما لو أراد البيت غصبها من عنده أو سرقتها منه، ولنا على ذلك شواهد سجلها التأريخ، وقضايا دونتها المحاكم المدنية. وعند ذلك ينهار البيت ويزول الحنان والتعاطف من بين يديه، ويصبح صاحبه في شقاء مستمر، وذويه في خشية وخوف دائم وسرعان ما ينحل الإخاء ويذهب الولاء.

اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست