responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 20

كلمة في ميلاد الرسول الكريم (ص)

بسم الله الرحمن الرحيم‌

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أيها الجمع المتجه نحو الله واللائذ بضريح سيد الأوصياء تكلأكم العناية الربانية أنىّ أحللتم وحللتم، وترعاكم الألطاف الإلهية أنى اتجهتم وتوجهتم، ويحدوكم اليمن والسعادة أنى سررتم وأسررتم. في هذا اليوم السعيد المبارك تشرق علينا شمس الهداية، ويظهر فيه الحق المبين ويجود علينا رب العالمين بنبينا محمد (ص) سيد المرسلين ليخرج للعالم الإنساني من فم الدهر المظلم مستقبلا زاهيا زاهرا تطفح ضفتاه بالهناء والسعادة والخير والبركة [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‌].

لقد بدأت نفس النبي الكريم بالدعوة الإسلامية عندما هبط عليه الوحي بميثاق النبوة، فصدع بالرسالة الإلهية وفاجأ بها شعباً خشن الطباع لا يلمه نظام ولا تثقفه آداب غصّ بالمنازعات الدينية متفارق بالفوارق الإقليمية، فيه مصطلحات استأثرها شكل اجتماعه الفردي، ذلك الذي لا يمتاز عن أسراب الحيوان وقطعانه إلا بمميزات طفيفة، اجتماع لا يكتنف الفرد فيه إلا قواه ومميزاته الشخصية، فاستمال (ص) تلك الجماهير بفاضل الخلال وبالمثل العليا من بليغ المقال العابقة بالأماني الزكية والمنورة بألوان الأحلام الذهبية، ثم ما فتئ الأمر حتى تعاكست أنوار الإسلام النفوس واستعبرت به المدارك والعقول، يختال بأنظمته القيمة وأصوله الكاملة الحقب والأزمان حتى أصبح ومن وراءه شعب حار، مؤمن بعقائده مندفع بمبادئه لا تأخذه فيها لومة لائم، ولا يهاب في الدفاع عن مبادئه سطوة جبّار غاشم، فأزال ممالك الشرك وهدم تقاليد الإلحاد، واستأصل العادات القبيحة، ونشر الآداب الحسنة، وركز الاخاء في الروح و التعاون على الخير و الصدق في القول و العمل التي تحيى بها الإنسانية وتزدهر بإشراقها البشرية، وقلب وضع العالم رأسا على عقب، وناهيك به من انقلاب زعزع أركان دولتي الروم وفارس، وأراح الشعوب من الاستبداد والاستعباد الذي أرهق العالم صعودا وجشمه كؤداً، خلصه من تقاليد ثقيلة لا يطاق حملها، وجرّده من عقائد تشبه الألغاز والأحاجي في إبهامها وغموضها، وهيأ الشعوب للدخول في أدوار جديدة من حياة سعيدة موفورة بالحرية بعد أن غلب عليه الشقاء، وألبسها الحضارة بعد أن كانت بعيدة عن مفاهيم الناس بعد الأرض عن السماء. ما نراه اليوم من النهضة المستمرة في عالمي العلم والعمل حتى إنك لا تجد نظرية تأسست بعقول راجحة وأدمغة ناضجة يكون لها الأثر القيم في تطور الحياة البشرية وترقيها في مدارج الكمال إلا وهي صدى آية من آيات الكتاب المجيد أو حديث من الأحاديث الشريفة للنبي الكريم (ص) هذه صفحة من تأريخ رسولنا الأعظم، وما أنتجه التمسك بمبادئه في مطاولة هذه الأمة للأمم الراقية حتى خاطبت السحاب (أينما تمطري فأنت في ملكي)، وإذ نحتفل في هذا اليوم المجيد بذكرى ولادة نبينا الكريم فإنما نستلهم من هذه الذكرى دروسا وعبراً لنهضة جديدة تتركز على تلك المبادئ التي استنار بأشعتها الغزاة الفاتحون ونستمد منها إيمانا يدفعنا نحو مدارج المجد والسؤدد، فإنها الفائدة المنشودة من الذكرى والتاريخ، وما التاريخ إلا تجارب قام بها الماضون واستفاد بها الحاضرون، وما الماضي إلا مرآة تنطبع بها صور المستقبل ننظر فيها لنستقبل الدهر بخبرة وبصيرة وعسى عمن قريب يتجلى القصطل، ويعيد التاريخ نفسه. (اللهم يا الله يا الله يا الله صلي وسلم على محمد وآله كما حمل وحيك وبلغ رسالتك وعلم كتابك، وصلي وسلم على محمد وآله كما رفعت به الشقاء وكشفت به الغماء ونجيتنا به من البلاء، وصلي وسلم على محمد وآله كما رحمت به البلاد وقصمت يد الجبابرة وأهلكت به الفراعنة، وكسرت به الأصنام، أفضل ما صليت على أحد من أنبيائك يا رب العالمين‌).

اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 20
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست