الشريعة والمعرفة بأحوال الناس وما يحيط بهم من الظروف
والاحوال والمصلحة في ذلك الزمان والمكان وعلم الترجيح فيما لو تزاحمت أو تعارضت
بعض الأمور فمثلا يكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان أو العكس، فعليه ان
ينصح بحسب الأرجح أو بالأهم من الأمرين. كما ان الناصح أو المستشار ينبغي ان يكون
على معرفة وإطلاع بالمنصوح له من حيث قبول نصحه وعدمه، فإذا عرف من حاله مثلا أنه
إذا نصحه لشيء فعل ضده فإنه عليه ان ينصحه بما لا ينبغي ليفعل ما ينبغي، فلذا
يحتاج الناصح أو المستشار إلى علم وعقل وفكر صحيح ورؤية حسنة واعتدال مزاج وتوءدة
وتأن، فان من لم يجمع هذه الخصال فخطؤه أسرع من إصابته فلا يستشار ولا ينصح فلا
أعظم شيء من النصيحة، فإن بعض الأشخاص الفارغين من أحكام الشريعة سامحهم الله
نصبوا أنفسهم نصحاء لكل أمر فأخذوا يوزعون بنصائحهم على بسطاء الناس ظانين بعملهم
هذا الصواب مما أدى إلى خلط الحابل بالنابل، فأفسدوا أكثر مما نفعوا بينما الملحوظ
بين ظهرانينا من هو أهل لهذه الوظيفة قد إنعزل وانزوى وحجب نفسه عن المجتمع تعففاً
عن الناس بحجج وذرائع منها انه لا يتحمل سلوك الناس وأصبح المجتمع غريبا عليه
فأصبحنا بين الإفراط والتفريط والله المستعان.
ولا يكون الرجل ناصحاً
لغيره إلّا إذا بدأ بنصح نفسه