responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأنوار الحسينية و الشعائر الإسلامية المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ عبد الرضا    الجزء : 1  صفحة : 78

ما كان هنالك من الرقي الباهر على عرشي المروءة والحنان لقابضي زمام الحكم من أجراء الشعائر اللازمة للدين الحنيف، وكذلك تتمكن أن تقف بتفصيل التاريخ من أحوال الشعوب والدول، والبحث في اسباب ارتقائها وتعرف الوسائل التي تذهب بها الى قمم النجاح، وتقف على حقيقة الوسائط التي تنزل بها الى اسافل التأخر فينكشف لك ستار الحقيقة ان رقيها ونجاحها لتمسكها بعرى اديانها وأنارة الشعائر المختصة لترويج مذهبها ويتضح لك كالبدر في اللية العفراء ان هبوطها لأهمالها ما كان من مندوب ومستحب ومؤكد لدينها غير الواجب أدائه.

أيها (الساذج) أن الأمة متى امتزجت عصبيتها بالعصبية الدينية سادت ومادت وأعتزت وتقدمت وتمدنت وفتحت البلدان واذاعت العلوم وهي خاضعة للشريعة سيان في حكمها عبد وسلطان، واذا تفردت منها الآراء وكثر ما بينها المقت والتنقيد تمزقت منها سجوف الوطنية ونفت عنها روح الاستقلالية والعدل والاستقامة فتصبح ذليلة خاسرة حيث ان كل ذي ناموس ديني واستقامة فكر وثبات رأي في الحكام يرى اللازم الشرعي واضحاً لديه، إجراء هكذا شعائر هي من الضرورة المذهبية برفضها رفض الحكم باصله ولو لم تكن هذه المشروعات لما بقي ثابتاً أصل الحكم لهذا الزمن بما ان ألدائه الجبارين لازالوا كمثلك ساعين ومجدين لأطفاء نوره [وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ‌][1] إيه ايها (الضالع) لو كان حبل السفر ملقى عن الغارب والرأي صاف أديمه لعلمت كيف يجري القلم على خدود الورق ما تكنه خزائن الضمائر الحرة من الحقائق المذهبية أوسع مما جرى.

ولو وقفت على ما يوضح لك عما تكللت به أدمغة الأغبياء من الدسائس الأموية والعقائد الوهابية والزخاريف البهائية[2] لما أندفعت لهذه الأوهام والزخاريف والعلل‌


[1] سورة الأنفال اية 8 جزء 9

[2] يجدر بنا ان نذكر ايها القارئ الكريم من تاريخ اساسي مذهب( البابية والبهائية) وبدعهم الضالة لكي تحصل الفائدة التامة.

وذلك مما اثبتته جل كتب الأفاضل، ولنذكر مؤسس المذهب البابية أولًا، وننعطف على مريديه وبطانته بنحو التفصيل، مما ذكره صاحب كتاب( الايات البينات) في صحيفة( 52) تحت عنوان( البهائية) مشتملًا على سبع صحائف وسيأتي الذكر على ما تضمنته بعد هذا البيان واليك ايها الناظر:

المؤسس لمذهب البهائية:

اول مؤسس لهذه المذهب الباطل( الشلمغاني) بالشين المعجمة، وفي معجم البلدان ياقوت الحموي، قال الشلمغاني نسبة الى شلمغان قرية بنواحي( واسط).

وهو ابو جعفر محمد بن ابي العزاقر( بعين مهملة وزاء معجمة) صاحب المذهب الملعون، وفي معجم الأدباء وابن خلكان وسر الأديان المطبوع بمطبعة طهران في ترجمة الحلاج ان الشلمغاني معاصر للحلاج وكان بصفته في مقالاته المنكرة وفي أدعاء البابية كما في كتاب طبقات الأمم انه ادعاها في( قم) فلم تسمع منه وان الشلمغاني عليه ما يستحقه زعم ان الاله حل فيه، واظهر مقالاته المنكرة للحسين بن روح( رض) أحد نواب الناحية المقدسة فانكر عليها.

ولما حصل الأنكار عليه من الحسين بن روح قبض عليه ابن( مقلة) وزير المقتدر العباسي فحبسه الى خلافة( الراض بالله) ثم قتل ضرباً بالسياط واحرقت جثته بالنار سنة( 322) ه-.

وقال الشهيد الثاني في شهادات الروضة ان هذا الرجل الملعون( أي الشلمغاني) كان اولًا من الشيعة ثم غلا وطهرت منه مقالات منكرة فتبرأ الشيعة منه.

وقال صاحب( القصوى الشيرازي) في صحيفة( 245) لما غلا الشلمغاني خرجت منه توقيعات سيئة كثيرة فوقعت بيد الحسين بن روح فرآها توقيعات ضلال وشقاء فنهاه عن الغي فلم ينته فاخبر السلطان بتلك التوقيعات فاخذه وقتله.

وكما في رجال( أبي علي) في صحيفة( 283) ما نصه الشلمغاني( يكنى ابا جعفر ويعرف بأبي العزاقر) له كتب وروايات وكان مستقيم الطريقة متقدماً في اصحابنا فحمله الحسد لابي القاسم بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية حتى خرجت فيه توقيعات فاخذه السلطان وقتله وصلبه ببغداد.

وخلاصة القول ان هذا المذهب الملعون بقي في أساطير التاريخ تتداوله النقلة حتى ظهر في ايران سنة( 1228) ه- رجل يعرف( بميرزا علي محمد) المولود في شيراز سنة( 1205) ه- فأدعى البابية وانه حلقة الأتصال ما بين الناحية المقدسة والمؤمنين وجرى على شاكلة الشلمغاني في الغلو والتناسخ والأحكام وزاد بتسويد الصحائف بكلمات مهملة لامبدأ لها ولا أثر لايكاد أحد ولا قائلها ان يفهما بادعائه انه فرقان سماوي وكتاب الهي.

واليك ايها القارئ الكريم من خرافات فرقانه ومزخرفات بيانه ودونك ما نص به صاحب( تناسخ الأديان) في صحيفة( 245) من نمط قوله:

انا اعطيناك المقدح فصلي بوقتك وأسرح ان باغضك هو الأشرح( ومن خرافاته) الم ننشر لك قولك ونشرح بمحضرك امرك واحكمنا عقدة ظهرك وشتتنا في الوقت عسرك ألم انزل لك ذكرك.

ومن خرافاته، قل يا ايها النائمون مالكم لاتجلسون فانا لكم منتظرون لا اقول ما تقولون انتم باقون ونحن ذاهبون لانفعل ما تفعلون ولاتفعلوا ما نحن فاعلون، وهلم جرا على هذه التراكيب الهائلة وأمثالها من الكلمات المهملة، وبث الدعاة للأطراف فانتشرت دعواه سيما في ايران وتبعه على ذلك الجم الغفير حتى من النساء واشهرهن( قرة العين) بنت الحاج ملا صالح البرغاني في قزوين.

وكانت قرة العين أمرأة بارعة في الجمال معروفة بالمقالات الصافية الجيدة وكانت لاتخلو من ظرف ولعلها القائلة:

\sُ لمعات وجهك اشرقت‌\z وجمال طلعتك اعتلى‌\z زجراً الست بربكم‌\z نزني بزن كه بلى بلى‌\z\E وكان ابوها( الملا صالح) وعمها( الملا محمد تقي) من النمط الأول في العلم والورع فاجابت دعوة الباب وصارت من اكبر دعاته فتيقض لها حزب كبير في قزوين فتنتهم بجمالها وابتذالها فمنعها عمها وابوها وبعلها واخوها، فحكمت على فحكمت على حزبها بوجوب قتلهم فهجموا على عمها في صلاة الفجر وهو في محراب المسجد فقطعوه بسيوفهم ارباً ارباً.

وفي كتاب( العقائد والأديان) المطبوع بمطبعة( طهران) سنة( 1325) ه- ما نصه في صحيفة( 340) ان( قرة العين) لما قتلت عمها خرجت مع حزبها الى خراسان لملاقات البشروئي ثم الى مازندران واينما حلت اثارت حرباً شعواء وقتلت من المسلمين الرجال والأطفال والنساء الى ان قبضت عليها الحكومة الايرانية فقتلتها والقت شلوها على النار.

وفي كتاب( الأسرار) المطبوع بمطبعة تبريز سنة( 1317) ه- م نصه في صحيفة( 325) أن الحكومة الأيرانية لما قبضت قرة العين ربطت بذنب فرس وعدت بها حتى قطعت اعضائها، وهي التي قالت( انكحت وزوجت لقد فر من الميدان) ورقت بنفسها المنبر سافرة وخطبت في مجمع كبير ن المسلمين والبابية فقال ما ملخصه ايها الاحباب والأغيار أعلموا ان احكام الشريعة المحمدية قد نسخت لظهور الباب وان احكام الشريعة الجديدة البابية لم تصل الينا واشتغالكم بالصوم والصلاة وسائر ما أتى به( محمد) كله لغو باطل، ولايفعله إلا الجاهل، وان الباب سيفتح البلاد ويسخر العباد وستخضع له الاقاليم السبع وسيوحد الأديان حتى لايبقى على وجه البسيطة إلا دين واحد وهو دينه الجديد وشرعه الحديث الذي لم يصل منه إلا نزر يسير فالحق اقول لكم لا أمر اليوم ولا تكليف ولا نهي ولاتعنيف ونما نحن في زمان فترة فمزقوا الحجاب الحاجز بينكم وبين النساء واشتركوا جميعاً في المال فانه لم يخلق لنفس واحدة أو نفوس معدودة بل حق مشاع غير مقسوم جعل للأشتراك بين الناس ولاتحجبوا حلائلكم عن أحبابكم اذ لاردع الآن ولا حد ولا منع ولا صد خذوا حظكم من هذه الحياة فلا شي‌ء بعد الممات ولم تزل تلهج بهذه المبادئ الخبيئة وتعمل بها وتجري عليها الى ان قبضت عليها الحكومة وفعلت بها الافاعيل المخزية كما مر سالف ذكرها.

وأما ما كان من امر الباب لما بلغ الثلاث والعشرين استفحل امره واغرى بقتل( شاه ايران) فقبض عليه الشاه وقتله رمياً بالبنادق سنة( 1225) ه-.

وقد كان من اتباع الباب أخوان احدهما يلقب( ببهاء الله) والآخر( صبح الأزل) وقد هربا من بعد قتل الباب الى( بغداد) ومكثا فيها كما نصت به التواريخ نحواً من عشر سنوات اتخذا موضعاً منه كعبة الحج للبابية فتنبهت الحكومة العثمانية الى الخطر العظيم فألقت عليهام القبض فاخذتهما تحت الحفظ الى الاستانة اسلامبول وبقيا فيها تحت المراقبة ثم نقلتهما الى أدرنة اخيراً ابعدت صبح الأزل الى قبرص و( بهاء الله) الى عكا وقد اختلف الاخوان فيما بينهما في مواد الاصلاح الديني وان اشتركا في دركه الاسفل والأنحطاط الديني بما يشبه( البرتستانية النصارى) كما عليه عناية الباب، إلا ان البهاء صير محط نضره الى تأسيس ديني عملي لأصلاح مذهبهم ببث روح السلام والوئام ما بين النوع البشري.

ولذا دخل في مذهبهم اليهود والنصارى وغيرهما الذين لادين لهم ولا اعتقاد بما جاء به المسيح والكليم( عليهما السلام) ولذا تراهم ينعقون مع كل ناعق ويجيبون كل ناهق ويتبعون الأباطيل يوماً فيوم، الى ان مات صبح الأزل في( قبرص) فانقطعت الأزلية وأنهارت الى الدرك الأسفل من النار. ومات البهاء في( عكا) فخلفه ولده عباس افندي، فاطلق جناح الفساد في تاييد البهائية ولقب نفسه( بعبد البها) أي( عبد ابيه) حتى جال الجولة الباطلة في أمريكا، كما نص بها مفصلًا الدكتور( هينوس)( الاميركاني) في كتابه( طبقات الأمم) في صحيفة( 379) الى انتهاء صحيفة( 430) وكله يشتمل على التنقيد، وكذا الدكتور الألماني المسيو( جانص) في كتابه المذاهب والأديان في صحيفة( 300) الى انتهاء صحيفة( 325) ايضاً تستغرق تك الصفحات التثليب الهائل.

وايم الحق ما هو إلا الحقيقة ذكروا ولو اردت أن أتي على ما نصت الكتب به وغيرها من المقالات والمجلات لضاق بنا المقام وكلت مزابر الاقلام.

وبعد خروج المشار إليه( عبد البها) من امريكا واوربا، عرج على( مصر) والقى فيها خطبة مفصلة، وكانت خطبته في المجاميع الدينية) ما حاصلها) ان البشر كلًا من شجرة واحدة وثمرة غصن واحد ولايجوز للأنسان ان يقلد اسلافه تقليد الأعمى ويجب عليه ان يتحرى الحقيقة فأن الأساس الذي وضعت عليه الأديان واحد وليس الأختلاف ما بين الأنبياء اختلافاً جوهرياً في الحقيقة وانما ذلك للطقوس والأزمان ولم تشرع الأديان إلا للألفة، والرجل والمرأة سواء في ذلك ثم عاد الى عكا ومكث فيها مدة حياته اليأن مات فيها، فخلفه في العصر الحاضر سبطه( شوقي افندي) ابن( مرزا هادي افنان).

وناهيك ايها القارئ الكريم كتاب( الآيات البينات) تأليف سيدنا الفقيه والأوحد النبيه فيلسوف مذهب الأمامية وانموذج بلاغة الحيدرية الشيخ العلم والبحر الخظم شيخنا محمد الحسين دام بقاء نجل شيخ الطائفة الأكبر الشيخ جعفر الكبيبر كاشف الغطاء( قدس سره ونور ضريحه) ما تضمن من أحوال مذهب البابية وخرافاته وما جرى من الأسئلة على( الباب) حينما كان سجيناً في( تبريز) بزمن عهد السلطان( محمد شاه) القاجاري وذلك بحضور نجله وولي عهده( ناصر الدين شاه) سيما ما تضمن من أحول قرة العين المعروفة بالجمال البارع، الى ان ينتهي المقال الى عنوان( البهائية).

وناهيك ايضاً كتاب كشف الحيل المطبوع بالمطبعة الثانية في طهران لاعجبك مندرجاته ما تضمنت بيان زخاريف ذلك المذهب الباطل وأوهامه المتعقدة في زوايا الضلال وذلك يشتمل على( 224) صحيفة لأنكشف لك أن المؤسس والتابعين من أول الزعامة ومن ينضوي اليهم لم يكن جل مقصدهم إلا جمع المال من هذا المبدأ السقيم ولو أنعمت النظر بمجريات احوالهم في عصرنا هذا لوجدت طريقتهم بادت وبادوا معهاً فأف لهم ولهذه العقائد الفاسدة ولقد تذكرت قول القائل فيهم:

\sُ أفيقوا أفيقوا يا غوات فانكم‌\z ديانتكم مكر من الزعماء\z أرادوا بها جمع الحطام فأدركوا\z وبادوا وبادت سنة اللؤماء\z\E وكما قال الآخر:

\sُ آنان كه بقرن بيست دين ميسازند\z باخشت كمان كاخ يقين ميسازند\z درجامه‌ء دوست دشمنان بشرند\z كاسباب فساد وبغض وكين ميسازند\z\E واليك ايها القارئ اللبيب قول سيدنا الفقيه المار الذكر في صحيفة( 52) المشار اليها آنفاً( قال سلمه الله تعالى وابقاه:

البهائية:

نسبة الى المرزا( حسين علي) الذي سمى نفسه بالبهاء( ونحن نسميه بعد هذا بالهباء).

هو ابن الميرزا( عباس) المدعو بمرزا( بزرك) الذي كان يتقلب في وظائف الحكومة فصار في اخره( مستوفياً) في مازندران( أي مامور المالية) وله( 7) ذكور من نساء شتى( مرزا حسين علي) ولد( 2) محرم سنة( 1223) ه- في بلدة نور من ضواحي مازندران( ومرزا موسى) الملقب عند البابية( بالكليم) ومرزا يحيى المقلب من الباب( صبح الأزل) واربعة اخرون ليس لهم ذكر عند القوم.

تربى البهاء مع أخوته في طهران وتعلم بعض مبادئ العلوم المتداولة من دون ان يستكملها ثم تولع هو وأخوه( مرزا يحيى) بالتصوف واكثرا طريقة الباب.

ولما أرسل الى( اذربيجان) أي الباب ارسل مع الجند مخفوراً وسجن في قلعة( جهريق) بمدينة( ماكو) للحبس لاقياه في الطريق بين بلدة( قم وقزوين) ثم فارقاه وأراد بذلك بالماري الذكر، مرزا حسين علي وصبح الأزل، قد تمكن من أنفسهم حب النزوغ والبزوغ وابتداع طريقة جديدة يتوسلون بها الى نيل حظ من الرياسة وحطام الدنيا فاشتغلا بنشر تعاليم الباب في( طهران ثم في مازندران) وغيرها وكانا لايزالان يثيران الفتن والهجوم وتدبير الحيلة في قتل( ناصر الدين شاه) الذي كان المجاهد الأكبر في قطع دابرهم وقتل أولهم واخرهم وقبض مرة على( الهباء) وسجنه في( طهران) وعزم على قتله ولكن نجا بمساعدة الصدر الأعظم( مرزا محمد تقي خان) الذي كان من اهل وطنه( مازندران) وكان الباب قبل قتله كتب وصيته بخطه وختمها وجعل خليفته( المرزا يحيى) الذي لقبه( بصبح الأزل) وعين أخاه الأكبر( مرزا حسين علي) وكيلًا( لمرزا يحيى) ومحافظاً عليه وبعد قتل( الهباء) بتنفيذ الأمر واخفى اخاه عن اعين الناس وصار يخاطب ويكاتب بصفته وكيلًا عن أخيه، ثم ان البابية بعد( اعدام الباب) في تبريز، على ما عرفت، صار شغلهم الأكبر طلب الثأر وشعارهم( الأنتقام الأنتقام) وطريقتهم الأغتيال وكانوا يضحون نفوسهم في هذا السبيل فقتلوا جملة من اكابر رجال الدولة والملة غيلة وهجموا غيرة مرة على( ناصر الدين شاه) ليغتالوه فما تمكنوا منه وأصابوه في بعضها اصابة برأ منها ففتش على منبع البلاء ومثار تلك الفتنة فعرف انه هو( الهباء) وحزبه فعزم على قتلهم فسعى لهم ذلك الصدر( المشؤم) وأبدل القتل بالنفي فنفى هو و( 22) نفراً من أخواته واتباعه الى( بغداد) ولم يزل اخوه( الأزل) مختفياً يسوح في البلدان بزي الدراويش لابس الطرطور( الطربوش تعريب للطرطور والمخترع له احد رجال الفرس في زمن كسرى انوشروان يقال له( طرطور ابن بخشد الفارسي هكذ وجدناه في كتاب( الهيئة) المطبوع سنة 1900 ميلادي مؤلفه احد علماء الفرس) وبيده الهراوة والكشكول، ولما أتسعت بليتهم وأنتشرت في( بغداد) دعوتهم سعى العالم الفقيه( الشيخ عبد الحسين) الشهير بالطهراني( وبشيخ العراقيين) مع السفير الأيراني بمخابرة الدولتين( العثمانية والأيرانية) فاتفقت الدولتان على نفيهم من بغداد الى( اسلامبول) فصدر الأمر بذلك فجمعوهم وأوقفوهم في( حديقة نجيب باشا) بضعة أيام ولما وصلوا الى الأستانة التحق بهم( المرزا يحيى) المتخفي وأدرك قصد الحيلة من اخيه وانه بمباشرته تلك البرهة للأعمال قد قلب الأمر وحاز الأستقلال فناقشه الحاب وطلب منه الأموال، فانكره وأنكر عليه واختلفا اشد لاختلاف وخلع الوكيل( حسين علي) اخاه يحيى الأصيل بالخلافة بنص الباب خلع النعل فتهارشا في أسواق( الاستانة) وقهواتها تهارش الكلاب على العظم، وتضاربا في المحافل العامة بالأحذية والنعال الملطخة بالعذرة وصار كل من الأخوين يدس السم في طعام ليقتله حتى أن( الهباء) اكل الطعام المسموم مع أخيه فاشرف على الموت أو الدرك السفل ثم نجا بالمعالجة فلما اتسع الخرق بينها وطال التكالب والتضارب بينهما ووقفت الحكومة على جلية الأمر عزمت علينفيهم( ثالثاً) الى اٌاصي البلاد فنفوهم الى( أدرنة) من عواصم الروم القديمة ويسمونها البابية( بارض السر) فافترقا في المنزل وصار كل واحد يشتغل على حسابه ويدعو الى نفسه فأدى ذلك ايضاً الى المشاغبات بين الأخوين ثم الى المضاربة والمقاتلة بالسلاح الأبيض وصار كل منهما يكفر الآخر ويستحل دمه فاتفق الباب العالي والسفارة الايرانية اخيراً على نفيهم( رابعاً) مع التفريق بينهما فارسلوا( الهباء) مع حزبه البالغ عددهم( 73) شخصاً الى عكا والمرزا يحيى ورفقاه( الى جزيرة قبرص) وكان ذلك سنة( 1285) ه- وسجنوا في منفاهم أولًا ومنعوهم من ملاقاة أحد والأختلاط مع الناس ثم تملصوا من ذلك القيد بالرشوات والمكايد وكان على( الهباء) رقباء من ناحيةالحكومة يخبرونها باعمالهم وحركاتهم وهم من خواص اصحاب اخيه( الأزل) فوجدهم( الهبائيون) عقبة في طريق مساعيهم فهجموا عليهم ليلًا في( عكا) فابادوهم وباشنع قتلة بالحراب والسواطير( الساطر للقصاب والساطور لما يقطع به( ق) ص 166) حتى جعلوهم لحماً على وضم( محركة ما وقيت به اللحم عن الأرض من خشب وحصير( ق) ص 523) فهاجت الحكومة لهذا العمل الفضيع( ولكن المطامع مصارع) قبضوا عليهم وكبلوهم بالاغلال مع رئيسهم( الهباء) وبعد بضعة ايام وأشهر اطلقوهم لما امن( الهباء) وحزبه من المراقب والمشاغب اخذ ينشر دعوته الباطلة يوسع دائرته ويتدرج في مدعياته ومفترياته من خلافة( الباب) ثم المهدوية ثم الولاية المطلقة فالنبوة العامة والخاصة فالربوبية الخاصة فالألوهية المطلقة كما يعلم ذلك كله من كتبه المشهورة وهي سبعة كتب( هفت وادي) بالفارسية وكتاب( اقدس) رتبه بزعمه الكاسد وعقله الفاسد على منهج القرآن آيات وسور بالعربية وكتاب( الأيقان) وكتاب( هيكل) باللغتين وكذلك( كتاب اشراقات) وكتاب( الواح) بالعربية وكتاب( عهد) وهو اخر كتبه، وبين فيه وصاياه وجعل الأمر فيه من بعده( لعباس افندي) ولده الأكبر المسمى( غصن الله الأعظم) ومن بعده لولده الثاني( المرزا محمد

علي) المسمى عندهم بغضن الله الأكبر واقفل من بعده باب دعوى الربوبية والألوهية الى الف سنة وذلك حيث قال في كتاب( اقدس) صفحة( 13) من يدعي امراً قبل اتمام الف سنة كاملة انه كذاب مفتر الى ان قال: من يؤل هذه الاية او يفسرها في الظاهر انه محروم من روح الله ورحمته التي سبقت للعالمين. فاخوا الله ولاتتبعوا ما عندكم ن الأوهام اتبعوا ما يأمركم به ربكم العزيز الحكيم؟؟؟ ومن مواضع العجب ان( الباب) كتب نصاً جلياً في اقفال باب ربوبيته ومنع فيه من التأويل وجعل مدة نبوته وربوبيته الفي سنة ونيفاً طبقاً كلمة( المستغاث) فقال في( البيان) كل من أدعى قبل سنين كلمة( المستغاث فهو مفتر كذاب اقتلوه حيث ثقفتموه) فضرب( الهباء) بهذه الوصية المغلظة عرض الجدار وسحقها تحت قدمه، كما سحق غيرها من شرايع( الباب)، واحكامه فنسخ ومسخ وغير وبدل بل ارتقى به الطيش ونزق العيش الى ان تغالى في كتاب( الالواح) في مقام الطعن على طائفة( الازلية) اتباع اخيه فقال ما تعريبه: تفكر في المعرضين عن البيان الذين يطيرون باجنحة الأوهام في هواء الأوهام ما علموا للآن من خلق ربهم( يريد انه هو خالق الباب) ولم يزل هو واخوه يطعن بل ويلعن كل منهم الاخر ويعلن بكفره وفسقه في كتبه التي يزعمها وحياً، ويرفعها في الربوبية العليا فقال( الأزل) والأزل في اللغة( الذيب) في كتابه الذي جعله قراناً لاتخذوا العجل من بعدنا وانتم تعلمون. ان الذين يتخذون العجل من نور الله اولئك هم المشركون يعني بالعجل اخاه( الهباء).

وقال( الهباء) في( الالواح) اياكم ان تتمسكوا بالذي كفر بلقاء ربه واياته وكان من المشركين ويقول في كتابه( الأقدس) مخاطباً له: قل يا مطلع الأغراض دع الأغماض ثم انطق الحق تالله لقد جرى دموعي بما اراك مقبلًا على هواك ومعرضاً عمن خلقك وسواك. اتق الله وكن من التائبين. هب اشتبه على الناس امرك هل يشتبه على نفسك خف عن الله اذكر اذ كنت قائماً لدى العرش( يعني بين يديه) وكتبت ما القيناك من آيات القدير المقتدر. هذا نصح الله لو انت من السامعين هذا كنز الله لو انت من العارفين، وهلم جراً على هذه الركاكات والفجاجات والترهات والخزعبلات.

ولكن يعجبني في كتابه هذا مستهجناً للحرية: انا نرى بعض الناس ارادوا الحرية ويفتخرون بها اولئك في جهل مبين. ان الحرية تنتهي عواقبها الى الفتنة التي لاتخمد نارها كلك يخبركم المحصي العليم. فاعلموا ان مطالع الحرية ومظاهرها هي للحيوان وللأنسان ينبغي ان يكون تحت سنن عن تحفظه عن جهل نفسه وضر الماكرين. ان الحريةتخرج الانسان عن الآداب والوقار وتجعله من الأرذلين. وفيه اياكم ان تقربوا خزائن حمامات العجم من قصدها وجد رائحتها المنتنة قبل وروده فيها تجنبوا يا قوم ولاتكونن من الصاغرين. انه يشبه بالصديد والغسلين ان انتم من العارفين كذلك حياضهم المنتنة اتركوها وكونوا من المقدسين. اما كتابه الذي وسمه( بالأقدس) وجعله بزعمه كالقرآن( معاذ الله) وشرح فيه احكامه وشرايعه فقد ذكر فيه عند بيان قسمة المواريث وحقوق الورثة مايضحك الثكلى، ويجهض الحبلى حيث قال: قد قسمنا المواريث على عدد( الزاء) منها قول لذرياتكم من كتاب 0 الطاء) على عدد( المقت) وللأزواج من كتاب( الحاء) على عدد( الثاء والفاء) وللآباء على عدد كتاب( الراء) على عدد( الثاء والكاف) وللأمهات من كتاب( الواو) على عدد( الرفيع) ولألخوان من كتاب( الهاء) على عدد الشي‌ء وللأخوات من كتاب( الدال) على عدد( الراء والميم) وللمعلمين من كتاب( الجيم) عدد( القاف والفاء) وكذلك حكم مبشري الذين يذكروني في الليالي والأسحار. انتهى.

فانظر لو ان مجنوناً شرب مائة رطل من الخمر هل يقدر ان يهذي مثل هذا الهذيان، وماذا يفهم الناس من هذا الكلام حتى يعملوا عليه في قسمة مواريثهم مع عموم البلوى به، وهل( الجذر الأصم) اعظم اعضالًا واشد اشكالًا من استخراج معنى لهذا الكلام.

ولكن مع ذلك كله فقد كان هذا الرجل أعني( الهباء) من اكبر شياطين الرجل في الدهاء والمكر والتدبير والفتك فانه ما زال يدس الأموال لأبطال الرجال للفتك والأغتيال بخواص اخيه العاملين من رجاله حتى ابادهم عن أخرهم لأخيه واتباعه( الأزلية) شأن يذكر- مع ان وصية الباب اليه وعهده ونصه كانت عليه ومثل هذا بعينه حدث بين الأخوين من أولاد( البهاء) بعد موته فقد وقع الاختلاف والشقاق بين ولده الأكبر( عباس افندي) واخيه( المرزا محمد علي) وكان الغلب للأول فانه كان أدهى وأمر من أبيه، وكان من الكياسة والسياسة على جانب عظيم وبمساعيه دخلت ديانة البابية الى الممالك الأجنبية( كاميركا) بل قال بعض العارفين لولا( عباس افندي) لما قامت للبابية ولا للبهائية قائمة، ولما كان لها شأن يذكر وان تدابير( البهاء) كلها كانت من تعاليم ولده المزبور وقد هلك في اثناء الحرب عن عمر ناهز( التسعين) تخميناً ولم يقع بعده من له صوت او صيت ولا شأن يذكر، اخمد الله جمرتهم واهلك بقيتهم.

وبما نشرنا عليك على اختصار قد احطت خبراً باحوال هذه الطغمة الطاغية والفئة الباغية من مبتدأ خبرها الى منتهى اثرها، ولاتطلب المزيد على هذا من اخبارهم واثارهم وكفرهم وضلالهم فانه تضييع لوقتك الثمين وتفريط في عمرك النفيس ولاينبئك مثل خبير.

( الخلاصة): انك قد عرفت بما وقفت عليه من ترجمتهم ان القوم ليس عندهم من حجة ولابرهان ولامعجزة ولابيان، نعم كل ما عندهم في هذا الشأن هو الوقاحة والصلف، والمباهتة للحق وعدم النصف وخلع رداء الحياء واحياء كل رذيلة وأماتة كل فضيلة والجد والثبات والقوة والنشاط وصدق العزيمة على المبادئ وان كانت باقصى مراتب السقوط والسخافة، وتالله ما ارتسم على لوح الوجود ولا انتظم على رقعة هذه الأرض امة أجهل واضل وامكر واكفر وأدهى واخبث من تلك الأمة الخبيثة والطغمة التي خنقت انفاس الحقيقة وازهقت روح شرف العلم والفضيلة وجعلت كيل الحقائق جزافاً وثمنها بخساً وكانت فضيلة الانسان وتفوق بعضه على بعض بالعلم والاخلاق.

واما عند هؤلاء فلا تفوق إلا بالجهل ولافضيلة ى بزيادة الخبث والمكر والحيلة والخداع، والظلم والقهر.

اسم الکتاب : الأنوار الحسينية و الشعائر الإسلامية المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ عبد الرضا    الجزء : 1  صفحة : 78
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست