اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 46
من العدم إلى الوجود، فثبت أن المفهوم من الخلق لا يتقدر إلا
عند وجود المخلوق، فإذا كان الخلق قديما لزم أن يكون المخلوق قديما و هو محال لأن
القدم نفى الأولية و المخلوقية إثبات الأولية و الجمع بينهما محال.
الثانى: أن الخلق إذا كان صفة قديمة أزلية أبدية كان من لوازم الذات،
فالذات مستلزمة لصفة الخلق و صفة الخلق مستلزمة لوجود المخلوق و لازم اللازم لازم،
فإذا وجود المخلوق من لوازم ذات اللّه تعالى بغير اختياره فلا يكون اللّه تعالى
فاعلا مختارا بل موجبا بالذات و ذلك صريح قول الفلاسفة و هو هدم الإسلام.
فهذا منتهى البحث فى هذه المسألة و هو بحث عميق.
و الجواب: أن كون الشيء مؤثرا فى غيره و إن كان مفهوما مغايرا لذات
الأثر و ذات المؤثر و لكن لا وجود له خارج الذهن و الدليل عليه أن المفهوم من كون
الشيء لازما للشىء و ملزوما له و حالا فيه و محلا له مغاير لذات ذلك الشيء، ثم
هذا الزائد زائد لا وجود له فى الأعيان و إلا لزم التسلسل، و هذا الإلزام أيضا
وارد فى كون الأشياء متغايرة و متماثلة و مختلفة و متضادة و واجبة و ممكنة و
ممتنعة فإن هذه الاعتبارات متغايرة فى الأذهان مع أنه لا وجود لها فى الأعيان،
فكذا هاهنا. فهذا ما يليق بهذا الموضع، و لنا فيه إشكالات زائدة ذكرناها فى الكتب
المبسوطة نرجو من فضل اللّه تعالى أن يوفقنا للبلوغ إلى الغاية فيها.
التقسيم الثالث: قال بعض المتكلمين صفات اللّه منها واجبة و منها
ممتنعة و منها جائزة، و الصفات الواجبة منها ذاتية و منها معنوية على ما شرحناها،
و أما الممتنعة فكقولنا: يمتنع كون اللّه جسما و جوهرا، و لقائل أن يقول: صفات
اللّه تعالى هى سلب هذه الأمور و سلب هذه الأمور عن اللّه واجب لا ممتنع. قالوا: و
أما الجائزة فهى كون اللّه تعالى مرئيا. و لقائل أن يقول: المراد من كونه مرئيا إن
كان كونه بحيث يصح أن يرى فهذه الصحة صفة واجبة الثبوت لذات اللّه تعالى و إن كان
المراد كونه مرئيا فليس المرئى لكونه مرئيا صفة، كما أنه ليس المعلوم لكونه معلوما
صفة، و إلا لزم حدوث الحوادث فى ذات اللّه تعالى و هو محال.
اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 46