اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 266
يحفظها عن الغوص بكليتها فى البحر. مع أن طبع الأرض الغوص فى
الماء، و هو الّذي مرج بين العناصر المتضادة الفرارة بعضها عن بعض بالطبع، فهو
سبحانه و تعالى ركب أبدان الحيوانات منها، و أمسك كل واحد منها مع ضده على خلاف
مقتضى طبعه.
و أما حظ العبد: أما فى قوته النظرية فهو أن يجتهد فى حفظها عن اتباع
الشبهات و البدع، و أما فى قوته العملية فهو أن يحفظها عن الانقياد لمقتضى الشهوة
و الغضب، و قد بينا فيما تقدم أن الفضيلة فى الوسط، و الرذيلة فى الطرفين «1»، و الوسط بين الشمس و الظل هو الخط
المستقيم، و هو طول لا عرض له البتة، فكان أحد من السيف لا محالة، و أدق من
الشعرة، و إنه هو الصراط المستقيم الّذي يجب عليه السعى فى هذا اليوم، و هو طريق
ممدود على متن جهنم، فيجب على الإنسان أن يحفظ نفسه عن الميل إلى الطرفين.
و من المعلوم أن المشى فى الدنيا على هذا الصراط المستقيم مختلف،
فمنهم من يمشى عليه كالبرق الخاطف، و منهم من يمشى عليه بأنواع التعب و الشدة.
أما المشايخ: فقالوا: الحفيظ الّذي صانك فى حال المحنة عن الشكوى. و
فى حال النعمة عن البلوى.
و قيل: الحفيظ من هداك إلى التوحيد، و خصك فى الخدمة بأنواع الحفظ و
التسديد.
و قيل الحفيظ الّذي حفظ سرك عن ملاحظه الأغيار، و صان ظاهرك عن
موافقة الفجار.
قال بعضهم: ما من عبد حفظ جوارحه إلا حفظ اللّه عليه قلبه، و ما من
عبد حفظ اللّه عليه قلبه إلا جعله حجة على عباده.
______________________________
(1) كالكرم بين الإسراف و البخل و الشجاعة بين التهور و الجبن.
اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 266