اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 243
توقف الفعل على المشيئة؛ و حصول هذه المشيئة موقوف على مشيئة
اللّه بدليل العقل و النقل، أما النقل فقوله: «وَ ما تَشاؤُنَ
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» «1».
و أما العقل: فالدليل الّذي قررناه فى أول هذه المسألة. و إذا كان
الفعل منا موقوفا على مشيئتنا و هى موقوفة على مشيئة اللّه تعالى لزم القطع بتوقف
فعلنا على مشيئة اللّه. و هذا برهان قاطع.
و اعلم أن قوله عليه الصلاة و السلام: «قلب المؤمن بين إصبعين من
أصابع الرحمن» إشارة إلى هذه الحجة. فإن المراد من الإصبعين داعية الفعل. و داعية
الترك. و القلب واقف فيما بين هاتين الداعيتين أبدا. فإنه إن حصلت داعية الفعل حصل
الفعل. و إن لم يحصل داعية الفعل بقى الفعل على العدم. و معلوم أنه لا خروج عن
طرفى النقيض؛ و إنما عبر عن هاتين الداعيتين بالإصبعين؛ لأن الشيء الّذي يكون بين
إصبعى الإنسان لا يكون له فى التصرف فيه صعوبة و لا عسر البتة، بل يكون فى غاية
اليسر. فلما كان القلب مسخرا لهاتين الداعيتين لا جرم؛ عبر عنهما بالإصبعين و لهذا
السر كان صلوات اللّه عليه يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك» بل القلب
إنما سمى قلبا لتقلبه من حال إلى حال بحسب توارد الدواعى المختلفة عليه، هذا تمام
الكلام فى هذا الباب؛ و إنه فى غاية القوة و الوضوح.
المسألة الثالثة حظ العبد من هذا: أن ينقطع تعلق قلبه عن المستقبل،
بل يصير مشغول القلب بأنه ما يصيبه إلا الّذي جرى فى الأزل، و لهذا قال عليه
الصلاة و السلام: «من عرف سر اللّه فى القدر هانت عليه المصائب».
و قال أيضا: «المقدور كائن و الهم فضل» و ليس المراد من قوله و الهم
فضل
______________________________
(1) جزء من الآية 30 من سورة الإنسان.
اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 243