اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 241
تُرْجَعُونَ» «1» و قوله: «أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ» «2».
و اعلم أن الحكم بهذا التفسير هو كلامه، فيكون من صفات الذات، و قد
يقال أيضا: حكم لفلان بالنعمة أى أنعم عليه، و حكم على فلان بالنقمة إذا أوقعه فى
المحنة، فعلى هذا يكون ذلك من صفات الفعل، و قد يستعمل الحكم أيضا بمعنى الحكيم، و
سيجيء بيانه.
المسألة الثانية قال أكثر العقلاء إن حكم اللّه تعالى بجميع الكليات
و الجزئيات قد حصل من الأزل إلى الأبد، و أما المعتزلة: فقد سلموا ذلك فى كل
الحوادث إلا فى أحوال الحيوانات.
لنا وجوه: الأول: أن أفعال العباد موقوفة على إرادتهم. و هى حادثة،
فلا بد لها من مؤثر، و المؤثر إما أن يكون حادثا أو قديما، فإن كان حادثا كان
الكلام فيه كالأزل و يفضى إلى التسلسل، و لا يمكن حصولها بنفسها بأسرها دفعة لأن
وجود أسباب و مسببات لا نهاية لها دفعة واحدة محال، بل لا بد و أن يكون كل واحد
مسبوقا بآخر لا إلى بداية، و هذا قول الفلاسفة الإلهيين؛ و لأجل هذا الحرف أثبتوا
حوادث لا أول لها، و زعموا أن الأفلاك قديمة.
و أما إن كان المؤثر فى حدوث تلك الإرادة شيئا قديما، فذلك القديم
يمتنع أن يكون موجبا بالذات، و إلا لزم من قدم العلة قدم المعلول، فيلزم كون الإرادة
المحدثة قديمة، و ذلك محال، فلا بد و أن يكون ذلك القديم فاعلا مختارا و هذا مذهب
جمهور أصحاب السنة و الجماعة.
و على التقديرين فجميع الكليات و الجزئيات مقدرة بأوقات مخصوصة، و
أحوال مخصوصة، لا يجوز على المتقدم أن يتأخر، و لا المتأخر أن يتقدم،
______________________________
(1) جزء من الآية 70 من سورة القصص.
(2) جزء من الآية 46 من سورة الزمر.
اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 241