اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 199
الحال: سبحان من لا يجرى فى ملكه إلا ما يشاء. و أقول: تأملوا
فى هاتين الكلمتين؛ فإن كل واحد منهما جمع جميع دلائل مذهبه فى هذه الكلمة «1» و اعلم أن الجبار
بهذا المعنى، و بالمعنى الثانى أيضا من صفات الأفعال.
فإن قيل: الجبروت و التكبر فى حق الخلق مذموم، فلم يمدح اللّه به؟
قلنا: الفرق أنه سبحانه قهر الجبابرة بجبروته، و علاهم بعظمته، لا
يجرى عليه حكم حاكم، فيجب عليه انقياده، و لا يتوجه عليه أمر آمر، فيلزمه امتثاله،
آمر غير مأمور، قاهر غير مقهور: «لا يُسْئَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ» «2».
و أما الخلق فهم موصوفون بصفات النقص، مقهورون محجومون، تؤذيهم
البقة، و تأكلهم الدودة، و تشوشهم الذبابة، أسير جوعة، و صريع شبعة، و من تكون هذه
صفته كيف يليق به التكبر و التجبر؟!
و أما المشايخ فقال بعضهم: الجبار الّذي لا يرتقى إليه وهم، و لا
يشرف عليه فهم، و قيل: الجبار من لا فهم يلحقه، و لا دهر يخلقه، و قيل: الجبار من
أصلح الأشياء بلا علاج، و أمر بالطاعة بلا احتياج، و كان بعضهم يقول:
يا جبار عجبت لمن يعرفك كيف يستعين على أمر بأحد غيرك، و عجبت لمن
يعرفك كيف يرجو أحدا غيرك، و عجبت لمن يعرفك كيف يلتفت إلى أحد غيرك.
أما حظ العبد من هذا الاسم، فقال الغزالى: الجبار من العباد من ارتفع
عن درجة الارتفاع، و وصل إلى مقام الاستتباع، و من علامته: أنه لا يصير أسيرا بحب
المال و الجاه، لأن كل من كان كذلك كان منقادا بحب المال و الجاه،
______________________________
(1) انظر ذلك مفصلا فى الكتب التى بحثت فى الفرق الإسلامية و منها
كتاب الإمام الرازى «اعتقادات فرق المسلمين و المشركين» أعاننا اللّه على إتمامه.
(2) الآية 23 من سورة الأنبياء.
اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 199