responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الصوم: مسائل و ردود المؤلف : الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود    الجزء : 1  صفحة : 14

الغاية ولا تملأ من الإسلام وأحكامه إلا فراغاً يسيراً ولا تأخذ من تشريعاته إلا جانباً محدوداً كما أنه ليس من المعقول أن تكون الناحية الشكلية الصورية من العبادة هدفاً أقصى للإنسانية الخيرة وغاية للخلق في حين أن حياة قادة الإسلام ونبي الإسلام بوجه خاص كانت تحفل بأنواع شتّى من النشاط ولم تكن العبادة بجانبها الشكلي تستوعب إلا جزءاً من ذلك النشاط.

وبعد هذا وذاك فليس من المعقول أن تستوعب الناحية الشكلية كل نواحي العبادة وبين يدينا نصوص متضافرة مستفيضة تدل في صراحة على أن الإنسان إذا أجهد نفسه فأوصل لياليه بأيامه صائماً قائماً راكعاً ساجداً تالياً للقرآن مسبّحاً بحمده وهو لم يستوعب المحتوى الحقيقي للعبادة والتقوى فليس ذلك منه بشي‌ء إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ‌.[1]


[1] المائدة:.

بهذا الصدد نورد فيما يلي على سبيل المثال بعض الأحاديث عن الأئمة الأطهار تشترك كلها في الإشارة إلى هذا المعنى من قريب أو بعيد.

يقول المفضّل بن عمر كنت عند أبي عبدالله( ع) فذكرنا الأعمال فقلت أنا ما أضعف عملي فقال( ع) مه استغفر الله ثم قال لي:( إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى).( اصول الكافي: ج 2، ص 76) فهذا الحديث يفصح بوضوح أن المقياس ليس كمية الأعمال وأعدادها ولكن المقياس انبثاقها من قاعدتها العميقة الراسخة في النفس وهي تقوى القلب وحساسية الضمير وشعوره بالخوف من الله تعالى وتحرجه من غضبه و تطلبه لرضاه. ويتردد نفس المعنى على ألسنة روايات اخرى ولكن في صياغات وتعابير مختلفة فعن أبي عبدالله( ع) قال:( مِن أشدِّ ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً) ثم قال:( لا أعني سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله اكبر وإن كان منه ولكن ذكر الله عندما أحلّ وحرّم فإن كان طاعة عمل بها وإن كان معصية تركها).( نفس المصدر: ص 80).

وعن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبدالله( ع) عن قول الله عزّ وجل:

ُ وَ قَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً

.( الفرقان: 23)، قال:( أما والله إن كانت أعمالهم أشدّ بياضاً من القباطي- ثياب بيض تنسب إلى القبط- ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يَدَعوهُ).( نفس المصدر: ص 81).

وعن أبي بصير قال سألت أبا عبدالله( ع) عن حدّ العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤدّياً فقال( ع): حُسن النية بالطاعة.

وعن أبي عبدالله( ع) أيضاً قال:( فيما ناجى الله عزّ وجل به موسى( ع):( يا موسى ما تقرّب إليّ المتقربون بمثل الورع عن محارمي فإني ابيحهم جنّات عدن لا اشرك معهم أحداً)).( نفس المصدر: ص 80).

وعن الإمام أبي جعفر( ع) قال:( إن أشدّ العبادة الورع).( نفس المصدر: ص 77).

وفي حديث آخر عنه( ع):( إنَّ أفضل العبادة عفّة بطن وفرج).( نفس المصدر: ص 74).

فهذه وعشرات غيرها من الأحاديث وردت في صيغ مختلفة لتوضّح المفهوم الصحيح للعبادة والطاعة في الإسلام وتزيل عنها تلكم السخافات والحجُب التي أسبلها عليها رجال الكهنوت وروّاد البِيَع والصوامع التي تسرّبت على مرّ الأزمان داخل مجتمعات المسلمين لتشكّل مذاهب الاعتزال والتصوّف فمسخت الصورة الواضحة السمحاء لفكرة العبادة وجوهر الطاعة في الدين الحنيف حيث جعلت منها صوراً ليس فيها سوى الجفاف والجمود وأشكالًا لا تعكس إلا سلبية وبرودة فلا حياة فيها ولا روح ولا مدلول وراءها ولا تأثير، إنها انحراف العبادة عن مفهومها الصحيح.

اسم الکتاب : الصوم: مسائل و ردود المؤلف : الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود    الجزء : 1  صفحة : 14
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست