كما أنّه نسب الشهيد الثاني في المسالك
إلى كتابه الأحمدي أنّه قال فيه: «يحكم الحاكم فيما كان من حدود اللَّه بعلمه، و
لا يحكم فيما كان من حقوق الناس إلّا بالاقرار أو البيّنة» ([1])،
و هذا يعني ثبوت القولين في حقوق الناس أيضاً. اللّهمّ إلّا أن يكون نظره إلى غير
ابن الجنيد من فقهائنا، حيث لم ينقل عن أحد منهم- في حدود تتبعي- القول بعدم جواز
حكم الحاكم بعلمه في حقوق الناس.
و أمّا التفصيل بين حقوق اللَّه و حقوق الناس بعدم الجواز في الأوّل
و الجواز في الثاني فهو مختار جملة من أعلام الطائفة.
أحدهم الشيخ الطوسي قدس سره في النهاية حيث قال: «و إذا شاهد الإمام
من يزني أو يشرب الخمر كان عليه أن يقيم الحدّ عليه، و لا ينتظر مع مشاهدته قيام
البيّنة و لا الإقرار. و ليس ذلك لغيره، بل هو مخصوص به، و غيره و إن شاهد يحتاج
أن يقوم له بينة أو إقرار من الفاعل على ما بيّناه. و أمّا القتل و السرقة و القذف
و ما يجب من حقوق المسلمين من الحدّ و التعزير فليس له أن يقيم الحدّ إلّا بعد
مطالبة صاحب الحق، و ليس يكفي فيه مشاهدته إيّاه؛ فإن طلب صاحب الحق إقامة الحدّ
فيه كان عليه إقامته، و لا ينتظر مع علمه البيّنة و الإقرار على ما بيّناه» ([2]).
فإنّ الظاهر من هذه العبارة صدراً و ذيلًا ثبوت تفصيلين عنده:
أحدهما: التفصيل في حقوق اللَّه كالزنا و
السرقة بين الإمام المعصوم و غيره، فإذا علم بهما الإمام كان عليه أن يقيم الحدّ
عليه و لا ينتظر مع مشاهدته قيام البيّنة و لا الإقرار، بخلاف غيره من الحكّام.
و الثاني: التفصيل بين حقوق اللَّه و
حقوق الناس في مطلق الحاكم حتى الإمام من حيث إنّه ليس له أن يقيم الحدّ في حقوق
الناس إلّا بعد مطالبة صاحب الحق،