وجه الإشكال: أنّ العناوين الواردة في موضوعات الأحكام ظاهرة في وجوداتها
الواقعية لا المعلومة، فكما لا يكون الموضوع للحدّ من أقرّ بالزنى أو شهد عليه
الشهود، و كذلك لا يكون الموضوع من علم منه ذلك، بل الموضوع الزاني و السارق
الواقعيان، فيكون دليل ترتيب الحدّ على تلك العناوين كدليل ترتيب الحقوق و الأحكام
الواقعية الاخرى على موضوعاتها الواقعية، فهل يمكن أن نستفيد من دليل الضمان و
اشتغال ذمّة من أتلف مال الغير مثلًا، أو تعلّق الدية بالقتل الخطئي جواز حكم
القاضي بعلمه في حقوق الناس؟! فإذا لم تصحّ هذه الاستفادة هناك، فكذلك الحال في
حقوق اللَّه و أدلّتها؛ فإنّها ليست دالّة إلّا على ثبوت الحق على موضوعه الواقعي
في نفسه، و الذي عبّرنا عنه بالحكم الجنائي، و أما كيفية إثباته قضائياً على
المتهم و إدانته به المعبّر عنه بالحكم القضائي فهو أجنبي عن مفاد هذه الأدلّة
بالمرّة.
و هذا لا يفرّق فيه أن يكون الخطاب في آيات الحدود متوجّهاً إلى
العموم أو إلى خصوص الحكّام؛ فإنّه على كلا التقديرين يكون إرشاداً إلى تشريع
العقوبة، و أنّ من زنى أو سرق مثلًا فحدّه و عقوبته الجلد أو القطع في الشريعة، و
أمّا كيفية إثباته فمربوط بأدلّة القضاء و كيفية إثبات الدعوى المعبّر عنه باصول
الإثبات.
لا يقال: فأيّ فائدة لثبوت الحكم الجنائي على
موضوعه الواقعي إذا فرض عدم كفاية ذلك للحكم القضائي الإثباتي.
فإنّه يقال:- مضافاً إلى أنّ مقتضى طبع
المطلبهتاكلامو أن يكون الحكم الجنائي على موضوعه الواقعي، و الحكم القضائي
كالأحكام الظاهرية إثباتية- إنّه يترتّب على ذلك ثمرات كثيرة تظهر بالتأمّل، منها:
إمكان نقض حكم القاضي في صورة العلم بخطئه؛ لانتفاء موضوع الحكم الجنائي في حق
المتهم عندئذٍ. و منها:
إمكان ترتيب آثار الحكم الجنائي الواقعي إذا كان حقّاً خاصاً كالدية
و القصاص، فيصح استيفاؤه و لو لم يثبت قضائياً، إلى غير ذلك من الثمرات و الآثار.