وكذلك قوله
تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ
لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ)[١] في الكشاف سمّى الشيء المؤتمن عليه أمانة وعهدا ومنه
«أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ»
«وَتَخُونُوا
أَماناتِكُمْ» [٢] وإنّما تؤدّوا العيون لا المعاني ، ويخان المؤتمن لا
الأمانة ، والراعي الحافظ ، يحتمل العموم في كلّ ما اؤتمنوا عليه من جهته تعالى
والخلق والخصوص فيما حملوه من أمانات الناس وعهدهم ، وفي مجمع البيان : راعون أي
حافظون وافون ، والأمانات ضربان : أمانات الله ، وأمانات العباد ، فأماناته تعالى
هي العبادات كالصيام والصّلاة ونحوها ، وأمانات العباد هي مثل الودائع والشهادات
وغيرها. وأمّا العهد فعلى ثلاثة أضرب : أوامر الله ، ونذور الإنسان ، والعقود
الجارية بين الناس ، فيجب على الإنسان الوفاء بجميع ضروب الأمانات والعهود ،
والقيام بما يتولّاه منها.
ظاهرها نهي عن
كثرة الأيمان والحلف على كلّ شيء أي لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم ولا تكثروا
الحلف حتّى في المحقّرات وغير المهمّات الضروريّة ، ويؤيّد النهي عن كثرة الحلف (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ)[٤] و (أَنْ تَبَرُّوا) علّة للنهي بحذف مضاف أي إرادة برّكم وتقواكم وإصلاحكم
بين الناس ، فانّ الحلّاف مجترئ على الله فيكذب ، ولا يصلح أن يكون بارّا ولا
متّقيا ولا مصلحا بين الناس ، وقد قيل غير هذا المعنى أيضا وهو أنّه لا تجعلوا
الله حاجزا ومانعا لما حلفتم عليه من البرّ والتقوى