أمر وإيجاب بإخراج النفقة ، مثل الزكاة ونفقة العيال الواجبة أو صرف المال
في الحجّ وفي سدّ جوعة المسلم ، وبالجملة جميع الواجبات الماليّة ، فدلّت على وجوب
الإنفاق في الجملة ، وخصّ وبيّن بالإجماع في المواضع المعيّنة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ) يوم القيامة الّذي لا يكون فيه بيع أصلا حتّى تستدركوا ما فاتكم بالإنفاق
في الدنيا من الثواب العظيم ، وإسقاط العقاب الأليم ، ولا خلّة أي ولا محبّة حتّى
يعينكم أحلّاؤكم وأحبّاؤكم ويساعدوكم على ذلك إذ لا خلّة يومئذ إلّا بين المتّقين
كما قال الله تعالى (الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[١] ولا شفاعة هناك إلّا لمن ارتضى أو لمن أذن له الرحمن
ليشفعوا لكم لحطّ ما في ذمّتكم إذ قد لا يأذن الرحمن لكم بالشفاعة ولم تكونوا من
أهلها ، أو لم يشفع لكم أحد.
وتاركو الإنفاق
هم الظالمون ، فعبّر عن تارك الزكاة بالكافر للمبالغة ، كما عبّر عن تارك الحجّ به
في قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)[٢] وأيضا حصر الظالمين فيهم للمبالغة والإشارة إلى كمال
الاهتمام بحال الإنفاق ، ويحتمل أن يكون هذه جملة مستقلّة ويكون الغرض الإخبار
بأنّ الكفر ظلم عظيم كما قال الله تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[٣] لأنّه ظلم على نفس الكافر بالحرمان عن السعادة والوقوع
في الشقاوة الأبديّتين بالكلّيّة وأنّ يوم القيامة هم الّذين ظلموا أنفسهم لا أنّ
الله ظلمهم ، ويحتمل أن يفهم أنّ ترك الإنفاق ظلم لكنّ الكفر ظلم عظيم وهذا
بالنسبة إليه ليس بظلم وحينئذ يحتمل أن يكون الإنفاق شاملا للواجب والمندوب كما
قيل ، وليس بذلك البعد ، والله يعلم.