responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 8  صفحة : 157

التفصيل الذي تقدم في بيان الآية يدل على تحقق هذه الصفة له قوله تعالى : « ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ »: يونس : ٣ ، ففسر الاستواء على العرش بتدبير الأمر منه ، وعقبه بقوله : « ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ »والآية لما كانت في مقام وصف الربوبية والتدبير التكويني كان المراد بالشفاعة الشفاعة في أمر التكوين ، وهو السببية التي توجد في الأسباب التكوينية التي هي وسائط متخللة بين الحوادث والكائنات وبينه تعالى كالنار المتخللة بينه وبين الحرارة التي يخلقها ، والحرارة المتخللة بينه وبين التخلخل أو ذوبان الأجسام فنفي السببية عن كل شيء إلا من بعد إذنه لإفادة توحيد الربوبية التي يفيده صدر الآية : « إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ».

وفي قوله : « ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ »بيان حقيقة أخرى وهي رجوع التخلف في التدبير إلى التدبير بعينه بواسطة الإذن ، فإن الشفيع إنما يتوسط بين المشفوع له المحكوم بحكم ، المشفوع عنده ، ليغير بالشفاعة مجرى حكم سيجري لو لا الشفاعة فالشمس المضيئة بالمواجهة مثلا شفيعة متوسطة بين الله سبحانه وبين الأرض لاستنارتها بالنور ولو لا ذلك لكان مقتضى تقدير الأسباب العامة ونظمها أن تحيط بها الظلمة ثم الحائل من سقف أو أي حجاب آخر شفيع آخر يسأله تعالى أن لا يقع نور الشمس على الأرض باستقامة وهكذا.

فإذا كانت شفاعة الشفيع ـ وهو سبب مغير لما سبقه من الحكم ـ مستندة إلى إذنه تعالى كان معناه أن التدبير العام الجاري إنما هو من الله سبحانه ، وأن كل ما يتخذ من الوسائل لإبطال تدبيره وتغيير مجرى حكمه أعم مما يتخذه الأسباب التكوينية وما يتخذه الإنسان من التدابير للفرار عن حكم الأسباب الجارية الإلهية كل ذلك من التدبير الإلهي.

ولذلك نرى الأشياء الردية تعصي فلا تقبل الصور الشريفة والمواهب السامية ، لقصور استعدادها عن قبولها ، وهذا الرد منها بعينه قبول ، والامتناع من قبول التربية بعينه تربية أخرى إلهية والإنسان على ما به من الجهل يستعلي على ربه ويستنكف عن الخضوع لعظمته وهو بعينه انقياد لحكمه ، ويمكر به وهو بعينه ممكور به قال تعالى : « وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ »: الأنعام : ١٢٣ ، وقال تعالى : « وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ »: آل عمران : ٦٩ ، وقال تعالى : « وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ

اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 8  صفحة : 157
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست