responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 7  صفحة : 128

فما من شيء مما خلقه الله سبحانه إلا وله في خزائن الغيب أصل يستمد منه ، وما من شيء مما خلقه الله إلا والكتاب المبين يحصيه قبل وجوده وعنده وبعده غير أن الكتاب أنزل درجة من الخزائن ، ومن هنا يتبين للمتدبر الفطن أن الكتاب المبين ـ في عين أنه كتاب محض ـ ليس من قبيل الألواح والأوراق الجسمانية فإن الصحيفة الجسمانية أيا ما فرضت وكيفما قدرت لا تحتمل أن يكتب فيها تاريخ نفسه فيما لا يزال فضلا عن غيره فضلا عن كل شيء في مدى الأبد.

فقد بان بما مر من البحث أولا : أن المراد بمفاتح الغيب الخزائن الإلهية التي تشتمل على الأشياء قبل تفريغها في قالب الأقدار ، وهي تشتمل على غيب كل شيء على حد ما يدل عليه قوله تعالى : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » : ( الحجر : ٢١ ).

وثانيا : أن المراد بالكتاب المبين أمر نسبته إلى الأشياء جميعا نسبة الكتاب المشتمل على برنامج العمل إلى نفس العمل ففيه نوع تعيين وتقدير للأشياء إلا أنه موجود قبل الأشياء ومعها وبعدها ، وهو المشتمل على علمه تعالى بالأشياء علما لا سبيل للضلال والنسيان إليه ، ولذلك ربما يحدس أن المراد به مرتبة واقعية الأشياء وتحققها الخارجي الذي لا سبيل للتغير إليه فإن شيئا ما لا يمتنع من عروض التغير عليه إلا بعد الوقوع ، وهو الذي يقال : إن الشيء لا يتغير عما وقع عليه.

وبالجملة هذا الكتاب يحصي جميع ما وقع في عالم الصنع والإيجاد مما كان وما يكون وما هو كائن من غير أن يشذ عنه شاذ إلا أنه مع ذلك إنما يشتمل على الأشياء من حيث تقدرها وتحددها ، ووراء ذلك ألواح وكتب تقبل التغيير والتبديل ، وتحتمل المحو والإثبات كما يدل عليه قوله تعالى : « يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » فإن المحو والإثبات ـ وخاصة إذا قوبلا بأم الكتاب ـ إنما يكونان في الكتاب.

وعند ذلك يتضح اتصال الآية أعني قوله : « وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ » إلى آخر الآية بما قبلها من الآيات فإن محصل الآيتين السابقتين أن الذي تقترحونه علي من الآيات القاضية بيني وبينكم ليس في مقدرتي ، ولا الحكم الحق راجع إلي بل هو عند ربي في علمه وقدرته ولو كان ذلك إلي لقضي بيني وبينكم وأخذكم العذاب الذي لا يأخذ إلا الظالمين لأن الله يعلم أنكم أنتم الظالمون وهو العالم الذي لا يجهل شيئا أما أنه لا سبيل إلى الوقوف والتسلط على ما يريده ويقضيه من آية قاضية فلأن مفاتح الغيب عنده لا يعلمها إلا

اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 7  صفحة : 128
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست