responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 6  صفحة : 295

٧ ـ [ أدبهم مع ربهم بين الناس ] رعايتهم الأدب عن ربهم فيما حاوروا قومهم ، وهذا أيضا باب واسع وهو ملحق بالأدب في الثناء على الله سبحانه ، وهو من جهة أخرى من أبواب التبليغ العملي الذي لا يقصر أو يزيد أثرا على التبليغ القولي.

وفي القرآن من ذلك شيء كثير قال تعالى في محاورة جرت بين نوح وقومه : « قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ، وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » : هود : ٣٤ ينفي عليه‌السلام عن نفسه ما نسبوا إليه من إتيان الآية ليعجزوه به ، وينسبه إلى ربه ويبالغ في الأدب بقوله : « إِنْ شاءَ » ثم بقوله « وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ » أي لله ، ولذلك نسبه إليه تعالى بلفظ « اللهُ » دون لفظ « ربي » لأن الله هو الذي ينتهي إليه كل جمال وجلال ، ولم يكتف بنفي القدرة على إتيان الآية عن نفسه وإثباته حتى ثناه بنفي نفع نصحه لهم إن لم يرد الله أن ينتفعوا به فأكمل بذلك نفي القدرة عن نفسه وإثباته لربه ، وعلل ذلك بقوله : « هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ».

فهذه محاورة غاصة بالأدب الجميل في جنب الله سبحانه حاور بها نوح عليه‌السلام الطغاة من قومه محاجا لهم ، وهو أول نبي من الأنبياء عليهم‌السلام فتح باب الاحتجاج في الدعوة إلى التوحيد ، وانتهض على الوثنية على ما يذكره القرآن الشريف.

وهذا أوسع هذه الأبواب مسرحا لنظر الباحث في أدب الأنبياء عليهم‌السلام يعثر على لطائف من سيرتهم المملوءة أدبا وكمالا فإن جميع أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم مبنية على أساس المراقبة والحضور العبودي ، وإن كانت صورتها صورة عمل من غاب عن ربه وغاب عنه ربه سبحانه قال تعالى : « وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ » : الأنبياء : ٢٠.

وقد حكى الله تعالى في كلامه محاورات كثيرة عن هود وصالح وإبراهيم وموسى وشعيب ويوسف وسليمان وعيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيرهم من الأنبياء عليهم‌السلام في حالات لهم مختلفة كالشدة والرخاء والحرب والسلم والإعلان والإسرار والتبشير والإنذار وغير ذلك.

اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 6  صفحة : 295
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست