responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 20  صفحة : 304

فقوله : « إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى » يفيد أن هدى الناس مما قضى سبحانه به وأوجبه على نفسه بمقتضى الحكمة وذلك أنه خلقهم ليعبدوه كما قال : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » الذاريات : ٥٦ فجعل عبادته غاية لخلقهم وجعلها صراطا مستقيما إليه كما قال : « إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ » آل عمران : ٥١ ، وقال : « وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ » الشورى : ٥٣ وقضى على نفسه أن يبين لهم سبيله ويهديهم إليه بمعنى إراءة الطريق سواء سلكوها أم تركوها كما قال : « وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ » النحل : ٩ ، وقال : « وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ » الأحزاب : ٤ وقال : « إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً » الإنسان : ٣ ولا ينافي ذلك قيام غيره تعالى بأمر هذا المعنى من الهدى بإذنه كالأنبياء كما قال تعالى : « وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » الشورى : ٥٢ ، وقال : « قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي » يوسف : ١٠٨.

وقد تقدم لهذه المسألة بيان عقلي في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب.

هذا في الهداية بمعنى إراءة الطريق وأما الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب ـ والمطلوب في المقام الآثار الحسنة التي تترتب على الاهتداء بهدى الله والتلبس بالعبودية كالحياة الطيبة المعجلة في الدنيا والحياة السعيدة الأبدية في الآخرة ـ فمن البين أنه من قبيل الصنع والإيجاد الذي يختص به تعالى فهو مما قضى به الله وأوجبه على نفسه وسجله بوعده الحق قال تعالى : « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » طه : ١٢٣ ، وقال : « مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » النحل : ٩٧ ، وقال : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً » النساء : ١٢٢.

ولا ينافي انتساب هذا المعنى من الهداية إليه تعالى بنحو الأصالة انتسابه إلى غيره تعالى بنحو التبع بتخلل الأسباب بينه تعالى وبين ما ينسب إليه من الأثر بإذنه.

ومعنى الآية ـ إن كان المراد بالهدى إراءة الطريق ـ أنا إنما نبين لكم ما نبين لأنه من إراءة طريق العبودية وإراءة الطريق علينا ، وإن كان المراد به الإيصال إلى المطلوب أنا إنما نيسر هؤلاء لليسرى من الأعمال الصالحة أو من الحياة السهلة الأبدية ودخول الجنة لأنه من إيصال الأشياء إلى غاياتها وعلينا ذلك.

وأما التيسير للعسرى فهو مما يتوقف عليه التيسير لليسرى « لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ

اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 20  صفحة : 304
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست