اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 19 صفحة : 308
به ، وكون الأموال والبنين فتنة إنما هو لكونهما زينة الحياة تنجذب إليهما
النفس انجذابا فتفتتن وتلهو بهما عما يهمها من أمر آخرته وطاعة ربه ، قال تعالى :
« الْمالُ
وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا »الكهف : ٤٦.
والجملة كناية
عن النهي عن التلهي بهما والتفريط في جنب الله باللي إليهما ويؤكده قوله : « وَاللهُ عِنْدَهُ
أَجْرٌ عَظِيمٌ ».
قوله
تعالى : « فَاتَّقُوا اللهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ » إلخ ، أي مبلغ استطاعتكم ـ على ما يفيده السياق فإن السياق سياق الدعوة
والندب إلى السمع والطاعة والإنفاق والمجاهدة في الله ـ والجملة تفريع على قوله :
« إِنَّما
أَمْوالُكُمْ » إلخ ، فالمعنى : اتقوه مبلغ استطاعتكم ولا تدعوا من الاتقاء شيئا تسعه
طاقتكم وجهدكم فتجري الآية مجرى قوله : « اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ »آل عمران : ١٠٢ ، وليست الآية ناظرة إلى نفي التكليف
بالاتقاء فيما وراء الاستطاعة وفوق الطاقة كما في قوله : « وَلا تُحَمِّلْنا ما
لا طاقَةَ لَنا بِهِ »البقرة : ٢٨٦.
وقد بان مما مر
:
أولا : أن لا
منافاة بين الآيتين أعني قوله : «
فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » وقوله : « اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ » وأن الاختلاف بينهما كالاختلاف بالكمية والكيفية ،
فقوله : «
فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » أمر باستيعاب جميع الموارد التي تسعها الاستطاعة
بالتقوى ، وقوله : «
اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ » أمر بالتلبس في كل من موارد التقوى بحق التقوى دون
شبحها وصورتها.
وثانيا : فساد
قول بعضهم : إن قوله : «
فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » ناسخ لقوله : « اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ » وهو ظاهر.
وقوله : « وَاسْمَعُوا
وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ » توضيح وتأكيد لقوله : « فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » والسمع الاستجابة والقبول وهو في مقام الالتزام القلبي ، والطاعة الانقياد وهو في مقام العمل ، والإنفاق المراد به بذل
المال في سبيل الله.
و « خَيْراً
لِأَنْفُسِكُمْ » منصوب بمحذوف ـ على ما في الكشاف ـ والتقدير آمنوا خيرا لأنفسكم ، ويحتمل
أن يكون «
أَنْفِقُوا » مضمنا معنى قدموا أو ما يقرب منه بقرينة المقام ، وفي قوله : « لِأَنْفُسِكُمْ » دون أن يقال : خيرا لكم زيادة تطييب لنفوسهم أي إن
الإنفاق خير لكم لا ينتفع به إلا أنفسكم لما فيه من بسط أيديكم وسعة قدرتكم على
رفع حوائج مجتمعكم.
اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 19 صفحة : 308