من جهة اللّه دلّتني علي ذلک (و أمرت) مع ذلک (أَن أُسلِمَ لِرَبِّ العالَمِينَ) أي استسلم لأمر رب العالمين ألذي خلقكم و أوجدكم و يملك تدبير الخلائق أجمعين.
ثم وصفه فقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم) معاشر البشر (من تراب) و معناه خلق أباكم آدم من تراب و أنتم نسله و اليه ترجعون و اليه تنتمون (ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ...)
اي ثم انشأ من ذلک الأصل ألذي خلقه من تراب النطفة ثم قلبها الي علقة و هي القطعة من الدم لأنها تعلق بما يمر به لظهور أثرها فيه و خلقكم منها (ثُمَّ يُخرِجُكُم طِفلًا) أي أطفالا واحداً واحداً، فلهذا ذكره بالتوحيد، کما قال «بِالأَخسَرِينَ أَعمالًا»[1] لان لكل واحد منهم أعمالا قد خسر بها «ثُمَّ لِتَبلُغُوا أَشُدَّكُم» و هو حال استكمال القوة و هو جمع شدة و أشد كنعمة و أنعم. و اصل الشدة اللف ألذي يصعب منه الانحلال، ثم «لِتَكُونُوا شُيُوخاً» بعد ذلک «وَ مِنكُم مَن يُتَوَفّي مِن قَبلُ» ان يصير شيخاً و من قبل ان يبلغ أشده «وَ لِتَبلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّي» أي يبلغ کل واحد منكم ما سمي له من الأجل. و قال الحسن: هو النسل ألذي يقوم عليه القيامة و الأجل المسمي القيامة (وَ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ) أي خلقكم لهذه الأغراض الّتي ذكرها و لكي تفكروا في ذلک فتعقلوا ما أنعم اللّه عليكم من انواع النعم و اراده منكم من اخلاص العبادة. ثم قال (هُوَ الَّذِي يُحيِي وَ يُمِيتُ) يعني من خلقكم علي هذه الأوصاف الّتي ذكرها هو ألذي يحييكم و هو ألذي يميتكم فأولكم من تراب و آخركم إلي تراب تعودون (فَإِذا قَضي أَمراً) اي أراد امراً من الأمور (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) و معناه انه يفعل ذلک من غير ان يتعذر عليه و لا يمتنع منه فهو بمنزلة ما يقال له كن فيكون، لا انه خاطب المعدوم بالتكوين، لأن ذلک محال.