و غرضه منه سكونكم و استراحتكم فيه من كد النهار و تعبه (و جعل لكم النهار) أيضاً و هو ما بين طلوع الفجر الثاني إلي غروب الشمس (مبصراً) تبصرون فيه مواضع حاجاتكم فجعله (مبصراً) لما کان يبصرون فيه المبصرون. ثم اخبر تعالي (إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضلٍ) أي لذو زيادة كثيرة من نعمه (عَلَي النّاسِ وَ لكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَشكُرُونَ) نعمه أي لا يعترفون بها بل يجحدونها و يكفرون بها. ثم قال مخاطباً لخلقه (ذلكم اللّه) يعني ألذي قدم وصفه لكم هو ألذي خلقكم (رَبُّكُم خالِقُ كُلِّ شَيءٍ) من مقدوراته من السموات و الإرض و ما بينهما مما لا يقدر عليه سواه (لا إِلهَ إِلّا هُوَ) أي لا يستحق العبادة سواه تعالي (فَأَنّي تُؤفَكُونَ) أي فكيف تصرفون عن عبادته إلي عبادة غيره مع وضوح الدلالة علي توحيده، ثم قال مثل ما انقلب و انصرف هؤلاء (كذلك يؤفك) أي يصرف (الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللّهِ يَجحَدُونَ) و معناه کما خدع هؤلاء بما كذب لهم كذب من کان قبلهم من الكفار (الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللّهِ يَجحَدُونَ) أي بدلالات اللّه و بيّناته، و لا يفكرون فيها.
ثم عاد إلي ذكر صفاته تعالي فقال (اللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ قَراراً) أي هيأها لكم بحيث تستقرون عليها (وَ السَّماءَ بِناءً) أي و جعل السماء بناء مرتفعاً فوقنا و لو جعلهما رتقاً لما أمكن الخلق الانتفاع في ما بينهما. ثم قال (وَ صَوَّرَكُم فَأَحسَنَ صُوَرَكُم) لان صور إبن آدم أحسن من صور الحيوان. و الصور جمع صورة مثل سورة و سور (وَ رَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّباتِ) لأنه ليس لشيء من الحيوان من الطيبات المآكل و المشارب مثل ما خلق اللّه لابن آدم، فان انواع الطيبات و اللذات الّتي خلقها اللّه لهم لا تحصي لكثرتها من الثمار و فنون النبات و اللحوم و غير ذلک. ثم قال (ذلكم) يعني ألذي تقدم وصفه هو ألذي يحق له العبادة علي الحقيقة و هو (اللّهُ رَبُّكُم فَتَبارَكَ اللّهُ رَبُّ العالَمِينَ) أي جل بأنه الثابت