و قوله «ما لَكُم مِنَ اللّهِ مِن عاصِمٍ» أي مانع من عذاب ينزل بكم، و أصله المنع، و شبه بذلك من فعل به ذلک اللطف ألذي يمتنع عنده، يقال عصمه فهو عاصم و ذاك معصوم إذا فعل به ذلک اللطف. و منه قوله (لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللّهِ إِلّا مَن رَحِمَ)[1] أي لا مانع. ثم قال (وَ مَن يُضلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ) أي من بحكم اللّه بضلاله فليس له من يحكم بهدايته علي الحقيقة. و يحتمل ان يکون المراد و من يضله اللّه عن طريق الجنة فما له من يهديه اليها.
ثم قال تعالي حاكياً ما قال لهم موسي فانه قال لهم: (وَ لَقَد جاءَكُم يُوسُفُ مِن قَبلُ) قيل: هو يوسف إبن يعقوب کان قبل موسي جاءهم (بالبينات) يعني الحجج الواضحات (فَما زِلتُم فِي شَكٍّ) من موته حتي إذا هلك و مات (قُلتُم لَن يَبعَثَ اللّهُ مِن بَعدِهِ رَسُولًا) آخر. ثم قال (كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ) أي مثل ما حكم اللّه بضلال أولئك يحكم بضلال (کل مسرف) علي نفسه بارتكاب معاصيه (مرتاب) أي شاك في أدلة اللّه، ثم بينهم فقال (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيرِ سُلطانٍ أَتاهُم) أي يسعون بغير سلطان أي بغير حجة آتاهم اللّه، و موضع الّذين نصب لأنه بدل من (من) و يجوز ان يکون رفعاً بتقدير (هم) ثم قال (كَبُرَ مَقتاً) أي كبر ذلک الجدال منهم مقتاً (عند اللّه) أي عداوة من اللّه. و نصبه علي التمييز (وَ عِندَ الَّذِينَ آمَنُوا) باللّه مثل ذلک. ثم قال (كذلك) أي مثل ما طبع علي قلوب أولئك بان ختم عليها علامة لكفرهم يفعل مثله (و يطبع عَلي كُلِّ قَلبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ) من نون (قلب) جعل (متكبر جبار) من صفة القلب و من اضافه جعل (القلب) للمتكبر الجبار. قال ابو علي: من أضاف لا يخلو ان يترك الكلام علي ظاهره او يقدر فيه حذفاً، فان تركه علي ظاهره کان تقديره: