الّتي اقترفوها في الدنيا لا يمكنهم جحدها، و إنما تمنوا الخروج مما هم فيه من العذاب، فقالوا (فَهَل إِلي خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ) و المعني فهل إلي خروج لنا من سبيل فنسلكه في طاعتك و إتباع مرضاتك. و لو علم اللّه تعالي انهم يفلحون لردهم إلي حال التكليف، لأنه لا يمنع احساناً بفعل ما ليس بإحسان، و لا يؤتي احد من عقابه إلا من قبل نفسه، و كذلك قال في موضع آخر (وَ لَو رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنهُ وَ إِنَّهُم لَكاذِبُونَ)[1] تنبيهاً أنهم لو صدقوا في ذلک لأجابهم إلي ما تمنوه، و إنما يقولون هذا القول علي سبيل التمني بكل ما يجدون اليه سبيلا في التلطف للخروج عن تلك الحال، و إنه لا يمكن احداً أن يتجلد علي عذاب اللّه، کما يمكن ان يتجلد علي عذاب الدنيا. و وجه اتصال قوله (فَاعتَرَفنا بِذُنُوبِنا) بما قبله هو الإقرار بالذنب بعد الإقرار بصفة الرب، كأنه قيل: فاعترفنا بأنك ربنا ألذي أمتنا و أحييتنا و طال إمهالك لنا فاعترفنا بذنوبنا فهل إلي خروج لنا من سبيل فنسلكه في طاعتك و إتباع مرضاتك. و في الكلام حذف و تقديره: فأجيبوا ليس من سبيل لكم إلي الخروج (ذلِكُم بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللّهُ وَحدَهُ كَفَرتُم) أي إذا دعي اللّه وحده دون آلهتكم جحدتم ذلک (وَ إِن يُشرَك بِهِ تُؤمِنُوا) أي إن يشرك به معبوداً آخر من الأصنام و الأوثان تصدقوا. ثم قال (فالحكم للّه) في ذلک و الفاصل بين الحق و الباطل (العلي الكبير) فالعلي القادر علي کل شيء يجب ان يکون قادراً عليه، و يصح ذلک منه و صفة القادرين تتفاضل، فالعلي القادر ألذي ليس فوقه من هو أقدر منه و لا من هو مساو له في مقدوره، و جاز وصفه تعالي بالعلي، لان الصفة بذلك قد تقلب من علو المكان الي علو الشأن يقال: استعلي عليه بالقوة، و استعلي عليه بالحجة و ليس كذلك الرفعة فلذلك لا يسمي بأنه رفيع، و الكبير العظيم في صفاته