هذا تنبيه آخر من اللّه تعالي علي قدرته علي النشأة الثانية، و علي وجه الدلالة علي ذلک و علي اختصاصه بصفات لا يشركه فيها غيره، لأنه قال (أ فرأيتم) معاشر العقلاء (النّارَ الَّتِي تُورُونَ) فالنار مأخوذ من النور، و منه قول الحارث إبن حلزة:
فتنورت نارها من بعيد بخزازي هيهات منك الصلاء[1]
و جمع النور أنوار، و جمع النار نيران، و النار علي ضربين: نار محرقة، و نار غير محرقة. فالتي لا تحرق النار الكامنة بما هي مغمورة به كنار الشجر و نار الحجر و نار الكيد. و الّتي تحرق هي النار الظاهرة فيما هي مجاورة له مما من شأنه الاشتعال، و هي معروفة. و معني «تورون» تظهرون النار، و لا يجوز الهمزة، لأنه من اوري يوري إيراء إذا قدح، فمعني تورون تقدحون. و وري الزند يوري، فهو وار إذا.
انقدحت منه النار، و وريت بك زنادي إذا أصابك أمري کما يضيء القدح بالزناد ثم قال «أَ أَنتُم أَنشَأتُم شَجَرَتَها» يعني الشجرة الّتي تنقدح منها النار أي أنتم انبتموها و ابتدأتموها «أَم نَحنُ المُنشِؤُنَ» لها، فلا يمكن أحد ان يدعي ان ألذي أنشأها غير اللّه تعالي و العرب تقدح بالزند و الزندة، و هو خشب معروف يحك بعضه ببعض فيخرج منه النار- ذكره الزجاج و غيره- و في المثل (کل شجرة فيها نار و استمجد المرخ و العفار) فان قيل: لم لا يکون نار الشجر بطبع الشجر لا من