(الرحمن) آية مع أنه ليس بجملة، لأنه في تقدير اللّه الرحمن حتي تصح الفاصلة و هو خبر مبتدأ محذوف نحو قوله (سُورَةٌ أَنزَلناها)[1] أي هذه أنزلناها، و معني (الرحمن) هو ألذي وسعت رحمته کل شيء، فلذلك لا يجوز أن يوصف به إلا اللّه تعالي، فأما (راحم و رحيم) فيجوز ان يوصف به العباد.
و قوله (عَلَّمَ القُرآنَ) فالتعليم تبين ما به يصير من لم يعلم عالماً. و الاعلام إيجاد ما به يصير عالماً، و في قوله (الرَّحمنُ عَلَّمَ القُرآنَ) تذكير بالنعمة في ما علم من الحكم بالقرآن الّتي يحتاج اليها النّاس في دينهم ليؤدوا ما يجب عليهم و ينالوا الفضل بطاعة ربهم و يستوجبوا به الثواب و ينالوا الرضوان.
و قوله (خَلَقَ الإِنسانَ) معناه إنه ألذي اخترع الإنسان و أخرجه من العدم إلي الوجود، و قيل: المراد بالإنسان- هاهنا- آدم عليه السلام. و قيل: محمّد صَلي اللّهُ عَليه و آله. و قيل: جميع النّاس و هو الظاهر و هو الأعم في الجميع. و قوله (عَلَّمَهُ البَيانَ) أي خلق فيه التمييز ألذي بان به من سائر الحيوان. و قيل: معناه علمه الكلام ألذي يبين به عن مراده و يتميز به عن سائر الحيوان، فالبيان هو الأدلة الموصلة إلي العلم. و قيل: البيان إظهار المعني للنفس بما يتميز به عن غيره كتميز معني رجل من معني فرس، و معني قادر من معني عاجز، و معني عام من معني خاص، و معني شيء من معني هذا بعينه، و فيه تنبيه علي أنه تعالي خلق الإنسان غير عالم، ثم علمه البيان، خلافاً لقول من يقول من الجهال: إن الإنسان لم يزل عالماً بالأشياء، و إنما يحتاج فيه إلي تذكير، فكيف يکون عالماً من لم يخلق بعد لولا الغباوة و قلة التحصيل.
و قوله (الشَّمسُ وَ القَمَرُ بِحُسبانٍ) أي يجريان بحسبان فأضمر يجريان و حذفه لدلالة الكلام عليه، فيكون ارتفاع الشمس بالفعل المقدر. و قال قوم:
ارتفعا بتقديرهما بحسبان أي بحساب، و المعني علمه البيان أن الشمس و القمر بحسبان