هذا اخبار من اللّه تعالي أنه لم يخلق الجن و الأنس إلا لعبادته، فإذا عبدوه استحقوا الثواب، و اللام لام الغرض و لا يجوز أن يکون لام العاقبة لحصول العلم بأن كثيراً من الخلق لا يعبدون اللّه. و في الآية دلالة علي بطلان مذهب المجبرة القائلين: بأن اللّه خلق كثيراً من خلقه للكفر به و الضلال عن دينه و خلقهم ليعاقبهم بالنيران، لأنه لا يجوز أن يکون في كلام اللّه تعالي تناقض، و لا إختلاف و قوله (وَ لَقَد ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ)[1] قد بينا في ما مضي أن اللام لام العاقبة. و المعني إنه خلق الخلق كلهم لعبادته و تصير عاقبة كثير منهم إلي جهنم بسوء اختيارهم من الكفر باللّه و ارتكاب معاصيه.
فان قيل: أليس قد خلق اللّه كثيراً من خلقه لطفاً لغيرهم، فكيف يکون خلقهم لعبادته!؟.
قلنا: ما خلقه اللّه تعالي علي ضربين: مكلف، و غير مكلف، فما ليس بمكلف خلقه للطف المكلفين، جماداً کان او حيواناً. و ما هو مكلف خلقه لعبادته و إن کان في خلقه أيضاً لطف للغير، و كأنه يکون خلقه للأمرين و يکون بمنزلة ما خلقته إلا ليعبد مع عبادة غيره لأن عبادة غيره مما هو غرض في خلقه، و لولا ذلک لم يكن في خلق النبي عليه لطف لغيره، فالتقدير ما خلقته إلا لعبادته مع عبادة غيره به، و هو بمنزلة قول القائل ما أدبت ولدي إلا ليصلح جميعهم أي بتأديبي له مع تأديب غيره ألذي يدعوه إلي خلافه، و ليس المعني ما خلقت کل مكلف إلا ليعبد هو فقط.
و في الآية دلالة علي انه تعالي لا يريد المباح، لأنه ليس من العبادة.
و قوله (ما أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَ ما أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ) معناه نفي الإبهام عن خلقهم لعبادته ان يکون ذلک لفائدة تقع و تعود عليه تعالي، فبين انه لفائدة