و المعني إنها تجري سهلا، فقال ما (المقسمات أمراً) قال الملائكة.
و هو قول إبن عباس و مجاهد و الحسن، و هذا قسم من اللّه تعالي بهذه الأشياء. و قال قوم: التقدير القسم برب هذه الأشياء لأنه لا يجوز القسم إلا باللّه. و
قد روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنه لا يجوز القسم إلا باللّه. و اللّه تعالي يقسم بما يشاء من خلقه.
و قيل: الوجه في القسم بالذاريات تعظيم ما فيها من العبرة في هبوبها تارة و سكونها اخري، و ذلک يقتضي مسكناً لها و محركاً لا يشبه الأجسام، و في مجيئها وقت الحاجة لتنشئة السحاب و تذرية الطعام ما يقتضي مصرفاً لها قادراً عليها، و ما في عصوفها تارة و لينها أخري ما يقتضي قاهراً لها و لكل شيء سواها.
و الوجه في القسم بالحاملات وقراً، ما فيه من الآيات الدالة علي محمل حملها الماء و أمسكه من غير عماد و اغاث بمطره العباد و احيي البلاد و صرفه في وقت الغني عنه بما لو دام لصاروا إلي الهلاك، و لو انقطع أصلا، لاضربهم جميعاً. و الوجه في القسم بالجاريات يسراً ما فيها من الدلائل و بتسخير البحر الملح و العذب بجريانها و تقدير الريح لها بما لو زاد لغرق و لو ركد لأهلك، و بما في هداية النفوس إلي تدبير مصالحها و ما في عظم النفع بها في ما ينقل من بلد إلي بلد بها.
و الوجه في القسم بالملائكة ما فيها من اللطف و عظم الفائدة و جلالة المنزلة بتقسيم الأمور بأمر اللّه تعالي من دفع الآفة عن ذا و اسلام ذاك و من كتب حسنات ذا و سيئات ذاك، و من قبض روح ذا و تأخير ذاك. و من الدعاء للمؤمنين و لعن الكافرين، و من استدعائهم إلي طريق الهدي و طلب ما هو أولي بصد داعي الشيطان و الهوي عد و الإنسان.
اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي الجزء : 9 صفحة : 379