يقول اللّه تعالي علي وجه التوبيخ للكفار علي معاصيهم بكفرهم بلفظ الاستفهام (أم حسب) و معني (أم) يحتمل ان تكون الهمزة و تقديره أ حسب الّذين اجترحوا السيئات، و الحسبان هو الظن. و قد بيناه في ما مضي. و الاجتراح الاكتساب اجترح السيئة اجتراحاً أي اكتسبها من الجراح، لأن له تأثيراً كتأثير الجراح.
و مثله الاقتراف، و هو مشتق من قرف القرحة. و السيئة الّتي يسوء صاحبها، و هي الفعلة القبيحة الّتي يستحق بها الذم، و الحسنة هي الّتي يسر صاحبها باستحقاق المدح بها عليها، و وصفها بهذا يفيد هذا المعني. و قال الرماني: القبيح ما ليس للقادر عليه ان يفعله. و الحسن هو ما للقادر عليه أن يفعله قال: و کل فعل وقع لا لأمر من الأمور، فهو لغو لا ينسب إلي الحكمة و لا السفه. و الجعل تصيير الشيء علي صفة لم يكن عليها، و هو انقلاب الشيء عما کان قادراً عليه. و المعني أ يظن هؤلاء الكفار المرتكبون للمعاصي الّذين اكتسبوا القبائح أن يحكم لهم بحكم المؤمنين المعترفين بتوحيد اللّه المصدقين لرسله العاملين بطاعته!؟.
ثم اخبر عن الكفار فقال (سَواءً مَحياهُم وَ مَماتُهُم) أي هم متساوون حال كونهم أحياء و حال كونهم أمواتاً، لأن الحي متي لم يفعل الطاعات فهو بمنزلة الميت و قال مجاهد: المؤمن يموت علي إيمانه و يبعث عليه. و الكافر يموت علي كفره و يبعث عليه. ثم قال (ساءَ ما يَحكُمُونَ) أي بئس الشيء ألذي يحكمون به في هذه القصة. و انما قال (يحكمون) مع ان الحكم مأخوذ من الحكمة، و هي حسنة، لأن المراد علي ما يدعون من الحكمة، کما قال (حُجَّتُهُم داحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِم)[1] و قوله (ما كانَ حُجَّتَهُم إِلّا أَن قالُوا ائتُوا بِآبائِنا إِن كُنتُم صادِقِينَ).