و أعظم آثاراً في الإرض بالأبنية العظيمة الّتي بنوها و القصور المشيدة الّتي شيدوها.
و قال مجاهد: بمشيهم علي أرجلهم علي عظم خلقهم، فلما عصوا و كفروا باللّه اهلكهم الله و استأصلهم «فَما أَغني عَنهُم ما كانُوا يَكسِبُونَ» معناه لم يغن عنهم ما كسبوه من الأموال و البنيان. و قيل ان (ما) بمعني أي ، و تقديره فأي شيء اغني عنهم كسبهم!؟ علي وجه التهجين لفعلهم و التقريع لهم، فتكون (ما) الأولي نصباً و موضع الثانية رفعاً.
ثم قال تعالي «فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ» يعني لما أتي هؤلاء الكفار رسلهم الّذين دعوهم إلي توحيده و إخلاص العبادة له «فَرِحُوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ» و في الكلام حذف، و تقديره لما جاءتهم رسلهم بالبينات فجحدوها و أنكروا دلالتها وعد الله تعالي الرسل باهلاك أممهم و نجاة الرسل فرح الرسل بما عندهم من العلم بذلك. و قيل: إن المعني فرحوا بما عندهم من العلم يعني الكفار بما اعتقدوا انه علم إذ قالوا: نحن اعلم منهم لن نعذب و لن نبعث، فكان ذلک جهلا و اعتقدوا انه علم، فأطلق الاسم عليه بالعلم علي اعتقادهم، کما قال «حُجَّتُهُم داحِضَةٌ»[1] و قال «ذُق إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ»[2] يعني عند نفسك و عند قومك، فالأول قال به الجبائي، و الثاني قول الحسن و مجاهد. و قيل: المعني إن الكفار فرحوا بما عند الرسل فرح استهزاء و سخرية لا فرح سرور و غبطة و قوله «وَ حاقَ بِهِم» أي حل بهم «ما كانُوا بِهِ يَستَهزِؤُنَ» أي جزاء ما كانوا به يسخرون برسلهم من الهلاك و العذاب.
ثم اخبر تعالي عنهم انهم «فَلَمّا رَأَوا بَأسَنا» بأس الله و نزول عذابه