اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي الجزء : 8 صفحة : 456
و مثله «مِنهُم مَن كَلَّمَ اللّهُ»[1] يريد كلمه اللّه، و كقوله «أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولًا»[2] يريد بعثه الله.
يقول اللّه تعالي منبهاً للكفار علي وجه الاستدلال علي وحدانيته بأن يقول «أَ لَم يَرَوا» و معناه أ لم يعلم هؤلاء الكفار «كَم أَهلَكنا قَبلَهُم مِنَ القُرُونِ» فمعني (كم) هاهنا للتكثير، و يفسرها (من القرون) و تقديره أ لم يروا كم قرناً أهلكنا قبلهم من القرون، و موضع (كم) نصب ب (يروا)- في قول الكوفيين، و عند البصريين ب (أهلكنا) علي تقدير القرون أهلكنا او اكثر «أَنَّهُم إِلَيهِم لا يَرجِعُونَ» و نصب (انهم) لأنه مفعول (ا لم يروا) و كسره الحسن علي وجه الاستئناف، و وجه الاحتجاج بذلك هو انه قيل لهم: انظروا لم لا يرجعون فإنكم تجدون ذلک في قبضة مالكهم يردهم في الآخرة إذا شاء ردهم، لأنه لا يخلو إهلاكهم اما بالاتفاق من غير اضافة او بالطبيعة او بحي قادر، و لو کان بالاتفاق او بالطبيعة لم يمتنع ان يرجعوا الي الدنيا، فإذا بطل ذلک، ثبت أن إهلاكهم بحي قادر إذا شاء ردهم و إذا شاء لم يردهم. و وجه التذكر بكثرة المهلكين أي انكم ستصيرون الي مثل حالهم، فانظروا لأنفسكم و احذروا أن يأتيكم الإهلاك، و أنتم في غفلة عما يراد بكم.
و القرون جمع (قرن) و أهل کل عصر يسمي قرناً، لاقترانهم في الوجود و القرن- بكسر القاف- هو المقاوم في الحرب، و منه قرن الشاة لمقارنته القرن الآخر، و كذلك کل ذي قرنين. و قال قتادة «أَنَّهُم إِلَيهِم لا يَرجِعُونَ» عاد و ثمود، و قرون بين ذلک كثيرة. ثم قال و هؤلاء الّذين لا يرجعون كلهم «لَدَينا مُحضَرُونَ» يوم القيامة يحضرهم الله و يبعثهم ليجازيهم علي أعمالهم.