اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي الجزء : 6 صفحة : 530
قوله «وَ بِالحَقِّ أَنزَلناهُ» يعني القرآن أنزله اللّه يأمر فيه بالعدل و بالانصاف، و الأخلاق الجميلة و الأمور الحسنة الحميدة، و ينهي فيه عن الظلم و أنواع القبائح و الأخلاق الذميمة. «وَ بِالحَقِّ نَزَلَ» معناه بما ذكرناه من فنون الحق نزل القرآن من عند اللّه علي نبيه صلّي اللّه عليه و سلّم. قال البلخي: يجوز أن يکون أراد موسي، و يکون ذلک كقوله «وَ أَنزَلنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأسٌ شَدِيدٌ»[1] و يجوز أن يکون أراد الآيات فكني عنها بالهاء وحدها، دون الهاء و الألف، و يريد أنزلنا ذلک، کما قال أبو عبيدة قال أنشدني رؤبة:
فيه خطوط من سواد و بلق كأنه في العين توليع البهق[2]
فقلت له: إن أردت الخطوط فقل كأنها، و إن أردت السواد و البياض فقل كأنهما، قال: فقال لي: كأن ذلک و تلك.
ثم قال «وَ ما أَرسَلناكَ» يا محمّد «إِلّا مُبَشِّراً» للمطيعين بالجنة «و نذيرا» أي مخوفاً للعصاة من النار.
و قوله «وَ قُرآناً فَرَقناهُ» قرأه أهل الأمصار بالتخفيف. و حكي عن إبن عباس بتشديد الراء، بمعني نزلناه شيئاً بعد شيء، آية بعد آية، و قصة بعد قصة. و معني «فرقناه» فصلنا فيه الحلال و الحرام، و ميزنا بينهما، و هو قول إبن عباس. و قال أبي بن كعب معناه بيناه. و قال الحسن و قتادة: فرق اللّه فيه بين الحق و الباطل.
و من قرأ بالتشديد، قال إبن عباس و قتادة و إبن زيد: إن معناه أنزل متفرقاً لم ينزل جميعاً، و کان بين أوله و آخره نحو من عشرين سنة. و نصب «قرآنا» علي معني و أحكمنا قرآناً «فرقناه» أو آتيناك قرآناً. و قال بعضهم: نصب بمعني و رحمة كأنه قال «وَ ما أَرسَلناكَ إِلّا مُبَشِّراً وَ نَذِيراً» و رحمة، قال لأن القرآن رحمة.
و قوله «لِتَقرَأَهُ عَلَي النّاسِ عَلي مُكثٍ» معناه علي تؤدة، فترتله و تبينه و لا تعجل
[1] سورة 57 الحديد آية 25 [2] مر هذا الرجز في 1/ 296
اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي الجزء : 6 صفحة : 530