اخبر اللّه تعالي: انه كرّم «بني آدم» و انما عني بني آدم بالتكرمة مع ان فيهم كفاراً، لان المعني كرمناهم بالنعمة علي وجه المبالغة في الصفة. و قال قوم: جري ذلک مجري قوله «كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ»[1] فأجري الصفة علي جماعتهم من اجل من فيهم علي هذه الصفة. ثم بين تعالي الوجوه الّتي كرّم بها بني آدم بأنه حملهم في البرّ و البحر علي ما يحملهم من الإبل و غيرها، کما قال: «وَ الخَيلَ وَ البِغالَ وَ الحَمِيرَ لِتَركَبُوها وَ زِينَةً»[2] و البحر، و السفن الّتي خلقها لهم و أجراها بالرياح فوق الماء ليبلغوا بذلك حوائجهم «وَ رَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ» يعني من الثمار و الفواكه و طيبات الأشياء، و ملاذها الّتي خص بها بني آدم و لم يشرك شيئاً من الحيوان فيها من فنون الملاذ. و قيل: من تفضيل بني آدم ان يتناول الطعام بيديه دون غيره، لان غيره يتناوله بفيه، و انه ينتصب، و ما عداه علي اربع او علي وجهه.
و قوله: «وَ فَضَّلناهُم عَلي كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضِيلًا» و ليس المراد بذلك تفضيلهم بالثواب، لان الثواب لا يتفضل به ابتداء، و انما فضلهم ابتداء بان خلق لهم من فنون النعم و ضروب الملاذ ما لم يجعله لشيء من الحيوان، و انما فعل ذلک تفضلًا منه تعالي، و لما في ذلک من اللطف للعاقل، و الصلاح ألذي ينتظم و يتم بهذا التأويل، و استدل جماعته بقوله «وَ فَضَّلناهُم عَلي كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنا» علي تفضيل الملائكة علي الأنبياء، قال لان قوله «عَلي كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنا» يدل علي ان هاهنا من لم يفضلهم عليهم، و ليس الا الملائكة، لان إبن آدم أفضل من کل حيوان سوي الملائكة بلا خلاف. و هذا باطل بما قلناه من ان المراد بذلك تفضيلهم بالنعم الدنياوية، و الالطاف، و ليس المراد بذلك الثواب بدلالة ابتدائهم بهذا التفضيل.
و الثواب لا يجوز الابتداء به.
و قوله «يَومَ نَدعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِم» قال الزجاج: يتعلق بقوله «يُعِيدَكُم ...
يَومَ نَدعُوا» و قيل: تقديره اذكر يوم. و قيل انه يتعلق بقوله